لقد انتهت مهلة الامهال
قدمت وكالة صحفي ميل ميل الاستقصائية خلال الفترة الاخيرة مجموعة من التقارير بينت خلالها أمثلة ؛مجرد أمثلة؛ من أوجه الفساد الاداري و التربوي و القطاعي المختلف .
و قد تبين أن الجهات المختصة لم تحرك ساكنا لتصحيح وجوه الخلل تلك .
هل لانها تحسب نفسها محصنة ؟ أم أنها لا تمتلك الوسائل ؟ أم أنها تري أنها قطاة تفعل ما يفعله غيرها من عناصر القطيع ؟ .
و للتذكير فقد نبهت الوكالة الى فساد تآزر و بينت بالوثائق تجاوزاتها …
كما بينت ملابسات التلاعب بمياه بوكادوم و مخالفة صفقته لابسط المعايير …
ثم بينت التلاعب ببرامج التعليم و الفساد الذى ميز التكريمات-الرشاوي …
دون ان تنسي التسيير الاداري لتنبه لوجود خلية تسهل الفساد و تمارس التغطية عليه . كما نبهت الى وجود شخصيات تتولي وظائف مفاتيح كان يتحتم ان تكون من نصيب جهات محايدة بينما جعلت بأيدي شخصيات أطراف فى البنيات الشعبية المستهدفة .
و قد نبهت الوكالة الى وجود تسيير للقطاعات الخدمية يجعلها حكرا على فئة محدودة من الساكنة دون غيرها (خدمات الماء و الكهرباء و التمويلات …)
هل تجهل الجهات المعنية ان التجاهل لم يعد ممكنا ؟ و أن فترة الامهال قد انقضت ؟.
فعلا انقضت فترة الامهال و حلت محلها فترة التعيين و التحديد و بيان اصحاب المسؤوليات بالدقة النهائية و من المسافة صفر حينها سيتضح للجميع هل نحن دولة قانون ام اننا فى فترة من السيبه يحل فيها الإقتدار على الفعل محل لزوم القانون .
إن المواطن البسيط حين تتعري السلطة أمامه و يتأكد من حيدها عن أهداف وجودها ستفتقد السيطرة عليه و يستبيح هو ممارسة العصيان المدني و حينها ينعدم الفرق بين الحاكم و المحكوم لانهما يعيشان معا خارج دائرة القانون لأنهما لم يعودا يخضعان للمساءلة .
إن الشعب الموريتاني الذي عجزت كل التجارب التي مرت به ان تعلمه النظام و الخضوع ؛ من الخطر الشديد ان تجره السلطة باستهتارها بالمساءلة الى اكتشاف ان من يحكمونه لا يهمهم سوى مصالحهم .
إن أغلب الموريتانيين لا توجد ظروف تفرض عليه الخضوع للسلطة و قد يئست التجارب التى مرت به عبر تاريخه الطويل أن تغرس فيه مفهوم الدولة .
مرت ممالك مالي و سونغاي و دولة المرابطين و أنظمة الإمارات و استعمار فرنسا و الدولة الحديثة دون ان يتمكن اي من هذه السلط ان يقنع المريتاني بمفهوم الدولة .
و إن استهتار السلطة القائمة بالقانون و النظام كفيل بجعل شعب البلاد السائبة يعود الى ماضيه الذي لم ينسه بعد .
لقد انعدمت الخدمات الحكومية التي كانت تشعر المواطن المؤهل للإستفادة منها بضرورة الخضوع للسلطة .
أصبح من الواضح لأغلب المؤهلين فى الماضي للاستفادة من خدمات السلطة أنه لم يعد أمامه إلا شراء تلك الخدمات من ماله الخاص و بالتالي لم يعد يستشعر نفوذ السلطة عليه فهو يدرس و يأكل و يشرب و يتعالج … من جيبه و أسوأ مقدمى الخدمات له يوجدون داخل القطاعات الحكومية فأنى لها أن تمتلك زمامه .
يشتري المواطن انتماءه لوطنه عبر الحصول علي رقمه الوطني الذى يجد -في كثير من الاحيان-أن بطاقة إقامة الأجنبي أفضل منه في توفير الاحترام و التقدير و ما سواهما .
و حين يضطر لأية خدمة يجدها ناقصة و لا تكمل إلا بالذهاب الى دول الجوار مثلا .
ينفق ما لديه و ما لدي غيره من مال علي فحوص و استشارات تحتم عليه المتابعة خارج بلده ليكتشف أن ما أنفقه فيه ذهب من دون اية فائدة .
و قس علي هذا غيره .
حين يلجا المواطن في صحته و في تعليمه و أخيرا فى أمنه للذهاب خارج بلده كيف تظنه سيحترم سلطة تعرت أمامه فاكتشف تجاهلها له و عدم اعتنائها بمصالحه .
و حين تزور شعوب “الربع الخالي” أو موريتانيا الاعماق حيث لا تربطهم اية مصلحة بالسلطة تكتشف كيف هو جدير بالسلطة ان تتلافى الوضع قبل ان يعاملها كل الشعب بما يعاملها به أولئك الذين لا حاجة لهم برقم وطني و لا يريدون لا تعليما و لا صحة و من باب أحرى لا مشكلة بينهم فى الحدود تجرهم للاستقواء بالسلطة لفرض حل على خصمهم مثلا …
ان نصف كلمتر من الطريق بين مركز استطباب كيفه و سوقها تجعل سائق سيارة تقطع خمسمائة كلمتر بين الباطن و كيفه ثلاث كلمترات منها فوق “نجم” تتمنى أن تضاعف تلك المسافة بدل قطع ذلك نصف الكيلمتر الذى لن تقطعه إلا مكسرة و مكسرا سائقها .
يستقى اهل البدو الماء بطرق بدائية جدا لكنه شراب عسل مصفي لانه غير متبوع بفاتورة سنده و لا صوملك …
يستظل رجل تحت شجرة من “تيشط” لا رخصة لها و إذا رجع اليها من شغله جذب منها غصنا يشرب نقيعه شرابا لا يظمأ بعده و لا يحس الما و لا وجعا ..
ثم ينام لا يخاف الا الله علي نفسه و ماله …
لفد انتهت مهلة الإمهال فاخشوا عواقب الاهمال .
محمدالمهدي صاليحي