من اين لك هذا؟!/حنفي/الدهاه
أحد أقاربي من السنغال، وهو من أترابي و أصدقائي الشخصيين، ينتمي إلى بيتين من كبار بيوتات العلم و المشيخة في السنغال، ظهرت عليه دون مقدمات علامات ثراء فاحش، كان مصدره من الخليج العربي، فرصدت الحكومة السنغالية مؤشرات على حركة مليارات من الفرنك الإفريقي في حسابه، فقامت بتجميدها واستدعائه للمسائلة أمام الجرائم الاقتصادية، ولم تشفع له دماؤه الزرقاء التي تشفي من الكَلَب، و لا نسبه المُعِمّ المُخول، و لا وساطات المشائخ و الوجهاء الذين ثاروا كاليعاسيب من أعشاشها..
جُمّدت الأموال أكثر من عامين، قام خلالها صديقي و قريبي هذا بالتعامل مع خبراء أعدّوا له أكواماً من الرق و الكاغد لتبرير ثرائه المفاجيء.. فالسنغال دولة قانون.!
“من أين لك هذا؟!” مبدأ ديني، فحين علم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لابنه تجارة، استدعاه وسأله هذا السؤال ولما أعياه الجواب قال له: لو لم تكن ابن أمير المؤمنين لما بلغتها، أعدها إلى بيت مال المسلمين فهم أولى بها، وكذلك سأل عمرُ خالدَ بن الوليد عن أملاكه، كما علا عمر بن الخطاب المنبر وهو يكاد يجر فضل ثوبه فلما خاطبهم: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا، قال له سلمان الفارسي: لا سمعاً ولا طاعة! فرد عليه عمر: ولمَ يا سلمان؟ قال: أرى عليك ثوباً أطول من ثيابنا؟ فمن أين لك هذا؟ .. أحال عمر الجواب إلى ابنه وكان حاضراً، فقال: هو من فضل ثوبي فقد كان ثوب أبي قصيراً فأعطيته ما يستره.
لقد أصبح العالم أكثر تقييداً لحركة الأموال مجهولة المصدر، لأنها تغذي من خلال تبييضها الإرهاب و تجارة المخدرات و شبكات الدعارة و الجرائم المنظمة، وتخدم استمرار الأنظمة الاستبدادية.. و الأموال المجهول أصلها في موريتانيا، و التي أقبلت عليها بخيلها ورجلها من الخليج أساساً، منذ الثمانينيات ، أفسدت المجتمع و نشرت الانحلال و التردي الأخلاقي، وطبّعت مثالب التملق و النفاق والاتكالية، وكرست ثقافة الاستهلاك، ووسعت الهوة بين الطبقات، و الشقة بين مجتمع يزداد غنىً و آخر يزداد فقراً، و جعلت الثراء السريع غاية تبرر كل الوسائل.. كما كانت لها آثارها الجانبية في ارتفاع أسعار العقارات و السيارات، و تعقيد ظروف الزواج على عزاب الشباب و غلاء أثمان الكماليات وحتى أسعار المواد الضرورية..
ينبغي البحث عن مصدر كل ثراء غير معلوم المصادر، فالسماء لا تمطر ذهباً، و الله جعل لأرزاقه أسباباً، حتى قال العلماء في تفسيرهم قوله تعالى لمريم عليها السلام “وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا” إن الله لو شاء لتساقط عليها الرطب من دون هزها جذع النخلة، و لكنه أرادها أن تبذل جهداً و تؤدي عملاً حتى وهي في وضعية مخاض كي تأكل من عملها و تتغذى من كسبها ، وذلك تأكيداً منه تعالى لمبدأ “مصدر الرزق”.. ويتأكد الأمر أكثر حين تتم المجاهرة و التباهي بالمال المشبوه.!!
حنفي الدهاه