الفساد سلاح المفسدين فمن اين ياتي الاصلاح في زمن تحكمهم؟/سيدى علي بلعمش
لا شيء في هذه الأيام و لا في سابقها من حياة البلد المريرة ، يشبه حديث الناس اليوم عن الفساد و الإفساد و قصص المفسدين و المناقصات المتزايدة و صفقات التراضي الأقرب إلى نوادر جحا و إبداعات الماغوط ؛ بالوقائع و الأسماء و الصفات و الأرقام و كل تفاصيل التفاصيل ..
و لا شك أن ثمة عوامل طبيعية لهذه الإثارة و التضخيم و الخطاب الهادر بالنعوت الفاضحة المصاحب لها :
– محاكمة اللص عزيز ..
– غوغاء ذباب الملتيميديا ..
– احتلال هواة “المقاولة” لواجهة الساحة السياسية و الإعلامية أو الإعلانية على الأصح ..
– قرب الانتخابات الرئاسية و بدء بروفات ترويض الخطاب التنافسي غير المعلن ..
نعم ، لا شك أنها عوامل مفهومة و أكيدة و مشبوهة الأسباب و الدوافع كلها ،
لكن من ذا يستطيع نكران فساد هذه الإدارة المستهترة ، المتنافسة اليوم في مهارات الإفساد و التظاهر بالحماية الفوقية و التبجح بكل الإيحاءات الوهمية ؟
✅ عَجزُ الإعلام الرسمي عن مشاغلة الساحة و استهتار هذه الإدارة الفاشلة ، الغارقة في الفساد ، يحيلان كل اللوم و المسؤولية لرئيس الجمهورية..
و من “الإنصاف” ، بعيدا عن السياسة غير المُنصفة و غير المُصنَّفة ، أن نعذر الجمهور غير المؤدلج (أعني غير المُنقاد بالأماني و الأكاذيب) ، المستاء من هذا الوضع المسيء إلى سمعة بلاده و إلى رئيسه و لثقة الشعب في إدارته و لعلاقته بكل شيء رسمي في مركب يغرق أمام أعين الجميع بسبب جشع و استهتار نخب لئيمة منحها البلد كل شيء و بخلت عليه بأي قدر من وفاء..
✅ إما أن تكون هذه الحملة المسعورة تعبر عن حقيقة و هذه مسؤولية رئيس الجمهورية بكل تأكيد . و ليس الحل في مواجهتها بل في مواجهة الفساد و هو أمر لا يتطلب من الرئيس أكثر من قرار يعرف جيدا كيف يصدره و كيف يحميه و كيف يجعل كل من يتجاوزه عبرة لمن يعتبر..
و إما أن تكون حملة شائعات مغرضة و هذا يعني فشل الإعلام الرسمي . و هي كارثة بلا حل إذا كان النظام لا يؤمن بأهمية الإعلام و بألف حل إذا كان الإعلام الرسمي يَستغبي النظام و يمارس سياسية “وحده من لا يعمل أي شيء هو من لا يخطأ” ..
و إما أن تكون هذه الحملة الصارخة ناتجة عن سوء فهم الجمهور لإنجازات النظام و فلسفة توجهاته و هذا يعني بلا شك ، فشل الإدارة (بكل أسباب الفشل) ، من عدم الكفاءة إلى الاستهتار ..
✅ مهما تكن الأسباب و الدوافع و المحركات ، من حق الجميع اليوم و قد وصلت الأمور إلى هذا الحد المهدد للاستقرار ، أن يُحمِّلَ رئيس الجمهورية كامل مسؤولية مواجهة هذا الفساد الغارق في الفساد المتراكم منذ نشأة الدولة ، المتوسع في تطوير آلياته بتوسع كل آليات تطور الإدارة و انحراف العقليات الصانعة للقرار و المؤثرة فيه من رجال سياسة بلا موانع و رجال أعمال “لا يريدون سوى كل شيء فقط” ..
تفاديا لانزلاقات لا تستطيع أي عقول رسم خارطة مخاطرها و لا أي قوة تحديد اتجاهاتها ، أنصح فخامة رئيس الجمهورية أن يتأمل مليا مخاطر هذا الوضع بالغ الاستثنائية و أن ينحاز إلى حلف المصلحين في نظامه و يضرب عرض الحائط بكل ما سواه مما يوهمنا حلف المفسدين بأنها توازنات ذات قيمة أو معنى و يحاول بكل مهاراته الكاذبة أن يسوق لنا أهميتها و فعاليتها ..
ثمة رجال جمهوريون أوفياء في نظامكم ، تهمهم سمعة البلد و مصالحه ، بكفاءات عالية و استعداد كامل لكل التضحيات للنهوض من كبوته و مواجهة ما يعترضه من تحديات بالعقل و المعرفة و الخبرات ، لا بالدعاية الكاذبة و النفاق المقرف و الاحتماء المخجل بوصفتهم السحرية : “طبقا للتوجيهات النيرة لفخامة رئيس الجمهورية” ، المسيئة إليكم بحصيلتها الناتجة عن فسادهم المخجل..
سيدي الرئيس ،
يقول الروائي الألماني فرانز كافكا : “من المؤسف أن الناس لا تفرق بين المتشائم و المتألم”
نعم سيدي الرئيس ،
لعل تلك هي مشكلتنا اليوم بالضبط و إن كانت مشكلتنا الأكبر هي أن لا يفهم فخامة الرئيس أنها هي مشكلتنا الأخطر و الأقدم (…).
سيدي الرئيس ،
إذا لم تأخذوا على محمل الجد ، مخاطر هذا الوضع الصارخ بكل أنواع الفساد المستفز ، تأكدوا أن الفوضى بكل أسبابها ، قد تحتل في غفلة من الجميع ، كل فراغات شغب البؤس المتحوِّر ، المنتقم من المفسدين أكثر من الفساد ..