لا تنقذوا موريتانيا . إلي الله نرفع أمرها/سيدي علي بلعمش
مما يوصف به سكان هذا البلد العجيب ، أنهم يقبلون كل شيء و لا يؤمنون بأي شيء (يقبلون الدين و لا يؤمنون به ، يقبلون الديمقراطية و لا يؤمنون بها . و لأن لكل قاعدة شذوذ ، أصبحوا اليوم يؤمنون بالإبراهيمية و لا يقبلونها ؛ يؤمنون بها لأنها ديانة إماراتية مدرة للدخل و لا يقبلونها ، لأنها معادية للسعودية الممسكة بالطرف الآخر للمعادلة النفعية ، التي جعلت كبار علمائنا الكرام يُصلُّون خلف الإمام القذافي ، الناكر للعشرة المبشرين بالجنة ، في ملعب لكرة القدم .!؟
و عودة إلى عبارة “سكان هذا البلد” ، نُذكِّر فقط في عُجالة ، بمقولة أخرى ذات صلة ، لا تقل أهمية و هي أن من يُعمِّرون هذا البلد أو يُخربونه على الأصح ، أقرب إلى السكان منهم إلى المواطنين : الساكنة تعبث بكل شيء و حين يحترق ما حولها ، ترحل بحثا عن منتجع آخر في أي بقعة و المواطن مثل الغزال (إموت افجدبو).
و تماما كالأفعى ، يفسخ الموريتاني جلده متى شاء و يتنكر (كأن أي شيء لم يكن) ، لأقرب الناس إليه و أكثرهم فضلا عليه و أحفظهم ودا له ، بأبسط إشارة إلى تقلب الزمن !!؟
و صحيح أن “المؤمن لا يسد عليه باب” لأن عليه فقط أن يلتزم بما أمره الله به و يفعل الله ما يشاء. أما معنى العبارة في ذهن الموريتاني الماكر ، فهو أن إذا اعترضك حلال فلا إشكال و إذا اعترضك حرام ، فأمامك فقه الضرورات و “الضرورة تبيح الممنوع”..
نصف علماء هذا البلد اصطفوا خلف الإمام ناصر الدين أوبك و نصفهم اصطفوا ضده . و يعتبر كل طرف منهم حتى اليوم ، القاتل و المقتول “منهم” في الجنة تماما كما لو كانت هناك جنتان إحداهن لأصحاب الشمال و أخرى لأصحاب اليمين !!؟
جل علماء البلد (زواياه) و شيوخه (فرسانه) ، وقفوا مع مرشح المستعمر (السنغالي ولد يحيى انجاي) ، ضد معجزة زمانه خلقا و خلقا و دينا و شجاعة و أمانة و وفاء و صدقا ، السياسي المحنك و المجاهد الجسور ، المرحوم أحمدو ولد حرمه .
و يتصارعون اليوم ، دون أقل حد من حرج ، تماما كأننا لم نكن هنا ، على شرعية المقاومة الثقافية و المقاومة المسلحة ؛ بعضهم من موقع الدجاجة و بعضهم من موقع البيضة ، ناسين أو جاهلين أن مقاومة عسكرية من دون مقاومة ثقافية ، تُسمَّى ضحاياها جِيَّفا لا شهداء و أن مقاومة ثقافية من دون مقاومة عسكرية لا إسم لأبطالها غير الخونة الجبناء ..
– وقف جل علماء البلد مع حرب الصحراء (القاتل فيها و المقتول كلهم في الجنة) ، من دون أن يعرفوا بماذا ستدخل موريتانيا الحرب و لماذا تدخلها و لا ما وراء دخولها و لا كيف ستستطيع خروجها ..
و كان علماء البلد أول من اصطفوا خلف العسكر في الإطاحة بولد داداه (ربما تكفيرا عن فتوى جنة القاتل و المقتول ) ..!؟
– كانت فترة حكم هيدالة ، سنوات شيطنة الفتاوى بامتياز ، في عناق الهياكل و الدين : تمت فيها إقامة الحد بلا حدود .. و اختلط فيها اللعب و الجد إلى أقصى حد ..
– في 84/12/12 وصل أبو الفساد الموريتاني (ولد الطائع) ، إلى الحكم ، بعد سنوات هيدالة العجاف . كان الجميع ؛ فقهاء و سياسيون و مثقفون ، مهيئين (بعد “رمادة” الهياكل) ، للعب أي دور مدفوع الثمن و تبرير أي موقف مدفوع الثمن و تفنيد أي محرم مدفوع الثمن : كانت الفتاوى تباع على الرصيف و على المقاس و تحت الطلب و فوق كل اعتبار .
غرقت سفينة موريتانيا في وحل الفساد على يد ولد الطائع و أقاربه و مقربيه ..
– وصل الميكانيكي ولد عبد العزيز متأخرا ، بعد رحلة تيه شاقة ، ما كان يصدِّق أنه يمكن أن ينهيها بنجاح ؛ كانت السفينة غارقة في الوحل و كانت فكرة “نحرها” تراوده منذ أيام توليه مرافقة ولد الطائع : كان ولد عبد العزيز مقتنعا بأنه لا يمكن أن يكون رئيسا لدولة لكنه كان واثقا من قدرته الفائقة على تخريب الرئاسة ، كما فعل بالضبط ..
و في حيرة و تردد ولد عبد العزيز ، من أين يبدأ و ماذا يقول لـ”سكان” الحي الساكن ، تهاطلت عليه الفتاوى و التبريكات و الاستشارات المؤكدة لعبقريته الفذة حتى “أشبع من جوع و أمن من خوف” (تعالى الله علوا كبيرا) ، مطالبين له بمأمورية ثالثة و رابعة و لكل واحدة منها بتوأمتها ، استعدادا لتنصيبه ملكا للبلاد كي لا تُحرمَ بعد رحيله من خبرات بدر و خوارق مريم بنت أحمد ، أعني مريم بنت ماء العينين ولد أحمد (حسب جواز سفرها الدبلوماسي الثالث) ، المعروفة في جواز سفرها الأصلي تحت اسم تكيبر بنت الماء العينين و في آخر تحت اسم تكبر بنت أحمد . و هي تسميات متعددة كلها مختومة على جوازات سفر دبلوماسية لتسهيل مهام السيدة الأولى صاحبة الاهتمام غير العادي بتدوير العملات و تزويقها و الطبطبة على أكداسها ، بعد أدخنة حمام المدرسة 2 في لگصر ..
– اليوم ، بعد أن أصبح الفساد حقا شرعيا و تدوير أصحابه فنا هندسيا راقيا و جزءً لا يتحزأ من ثقافتنا الأصيلة ، به تُقاسُ درجات الذكاء و عبقرية القيادة و الولاء لموروثنا الثقافي الخالد ..
– اليوم ، بعد أن أصبح الفساد بلا اسم و أصحابه بلا صفات ..
– اليوم ، بعد أن حُذف اسم الفساد من قاموس السلطة و لوائح الممنوعات ..
– اليوم ، بعد أن أصبح الفساد مجرد كبوة في خطاب المعارضة المتخلفة و النخبة المتطرفة ..
– اليوم ، بعد أن أصبح الدين ثلاثي الأبعاد و الثقافة تهريجا ، بلا حُراس غلاظ و لا شداد ..
– اليوم ، بعد أن أصبحنا بلا علم “وطني” و لا نشيد “وطني” و لا موظف “وطني” و لا معارض “وطني” ..
– اليوم بعد أن أصبحنا جميعا سكانا لهذا البلد ، لا يستطيع أي منا أن يزايد على الآخر ، لا بوطنيته و لا بوفائه و لا بصدق روايته ..
– اليوم ، حين أصبحنا بلا حقوق و لا واجبات ..
اليوم حين أصبحت مواطنتنا تجارة ، نشتري (بالصريح المباشر) أوراقنا الثبوتية ، تماما كما يحصل عليها السنغالي و الغامبي و الفنزويلي ، أصبح من حقنا أن ننعم بالشعور بالمساواة السلبية بعدما عجزنا عن فرض المساواة الإيجابية مثل بقية مواطني العالم ..
الرئيس و ثلاثون وزيرا و ثلاثمائة مديرا و سفيرا و أمينًا عاما ، لا يكفون لقلب حقيقة أمة من خمسة ملايين نسمة : لقد أصبحنا و لله الحمد ، سواسية في الفقر و الجهل و التخلف و الانحطاط و التهميش و الثرثرة و الأنين و البكاء ..
أعرف شخصيات مرموقة كانوا وزراء بالأمس ، أصبحوا بيننا .. أعرف ضباطا سامين متقاعدين و حكاما و ولاة و مدراء مؤسسات أصبحوا من بيننا ؛ تم إلغاء الضمان الاجتماعي و رواتب التقاعد : الدولة لم تعد استمرارية بالمفهوم التقليدي المتخلف .. أصبحت استمرارية بمعنى استمرار فُرق رئيسها و أبنائهم و تدويرهم باستمرار ، لمحاربة الملل الوظيفي و التخلص من أكاذيب وعودهم في القطاع .
63 سنة من النهب و التخريب و التصحر و الغش و التزوير و التآمر و التهاون و التخاذل و تبادل الاتهامات ؛ و ما زالت موريتانيا واقفة على أرجلها : يا للعجب .!؟
63 سنة من البرامج الكاذبة و الانقلابات الفاشلة و الانتخابات المزورة و ما زالت موريتانيا واقفة بكل ما في جذعها من خناجر مسمومة !!؟
ما أغربها من أرض ترفض الموت بعد قتلها !؟
و يا عجبا ، ما أقرب سلوك أهلها مما وصلنا عن سلوك شياطين الجن !؟