الارشيف الفرنسي يفرج عن وثائق جديدة/سيداحمد ولد الامير الملقب امد ولد احمدسالم

الأرشيف الفرنسي يفرج عن وثائق جديدة

الدكتور سيد احمد ولد الامير
اتفاقيات الفرنسيين مع قبيلة إدابلحسن:

تتكون هذه الاتفاقية من مقدمة وثلاثة مواد، وقد جاء في المقدمة أسماء الموقعين الثلاثة من الجانب الفرنسي وهم الإداري كايْ الوالي الفرنسي العام بالسنغال وبيير كافروز شارك كاربور، وبيير آندري، والأخيران من التجار الفرنسيين بسان لويس المعروفين بأولاد اندر.

ومن الجانب الموريتاني حبيب الله بن جاجا الحسني.

كما جاء في المقدمة أن الاتفاقية ستكون طبق الأصل من اتفاقية العالم بن محم بن اختيره
وهي أول اتفاقية بين الفرنسيين وبين إدابلحسن.

وتنص المادة الأولى على ما يتقاضاه حبيب الله من قماش مقابل كل كمية من الصمغ العربي يتم تبادلها بين الفرنسيين والجانب الموريتاني.

كما تنص المادة الثانية على الأغراض (غير القماش) التي سيتقاضاها حبيب الله أو ما يسمى شكتومه، وما يقابلها من كمية من الصمغ العربي .

بينما تنص المادة الثالثة على ما سيوفره الفرنسيون من ضيافة لحبيب الله ومن طعام أثناء الموسم أو يوفرونه لمن يعينه مكانه عند تغيبه.

كما أن استقضاء حبيب الله للفرنسيين سيتم تحديد تواريخه، وإجراءات احتساب الإكراميات تتم وفق كميات الصمغ التي سيتم بيعها بإشرافه.

وسيمنح حبيب الله مقدما من الإكرامية عند افتتاح كل موسم بيع للصمغ العربي، وهذا المقدم عبارة عن مائة بيصة من النيلة.

ومن الواضح أن هذه الاتفاقية الموقعة في 20 إبريل 1842 ليست سوى إعادة صياغة لاتفاقيات سابقة بين إدابلحسن وبين الفرنسيين، وأنه يتم تغيير اسم شيخ القبيلة عند كل تجديد للاتفاقية، أو عند كل تحسين في بعض الأحيان من بنود الاتفاقية، لكنها تبقى على العموم هي نفسها.

لم يقتصر الدور الريادي الذي اطلعت به مجموعة إدابلحسن على منطقة الترارزة بل شمل أجزاء واسعة من منطقتي البراكنة وغورغول، فقد ذكر الجنرال الفرنسي فيديرب في تقديمة الدقيق وديباجته المميزة لكتاب جول آنسيل (Jules Ancelle) استكشافات السنغال والدول المجاورة أن “مجموعة إدابلحسن كانت وافرة العدد وكانت تمارس التجارة بمهارة، وكان زعيمها العالم يتقاضى الإكراميات في مرسى الدويرة.

كما ذكر أن مجموعة أدابلحسن هي أول من مارس تجارة الصمغ العربي في منطقة البراكنة، تماما كما كان إدوالحاج أول من مارسها في منطقة الترارزة”.

ثم ذكر الجنرال فيديرب أن دور إدابلحسن لم يقتصر على بطون هذه القبيلة فحسب بل إن إحدى عشر مجموعة قبلية من أبرز القبائل الموريتانية وأكثرها تأثيرا وأوسعها انتشارا كانت تنظم تجارتها بواسطة إدابلحسن، وتنسق مصالحها عن طريقهم، وترد إلى مرسى الدويرة لتتعامل مع الفرنسيين بواسطة العالم بن محم بن اختيره وأبنائه وأحفاده،
وهذه المجموعات هي:

إديجبه، وأولاد أبييري، وتاگنيت، وإدوغزينبو، وتندغة، والزاغوره، وتاگاط، واتْمَدَّكْ، ولمتونه، وإدغَنْيَه، وأهل الحاج الغربي.

ونظرا لكون شيخ مجموعة إدابلحسن لا يمثل مجموعته فقط بل يتكلم باسم هذه المجموعات القبلية العديدة المنتشرة في فضاءات الترارزة والبراكنة وغورغول كما هو منصوص عليه في تقرير الجنرال فيديرب فلنا أن نتصور الإكرامية الكبيرة التي سيتقاضاها هذا الشيخ والعائد الكبير الذي سيحصل عليه مقابل الكميات الهائلة التي سيتم تبادلها بين الفرنسيين وبين القبائل المذكورة.

ولذلك فإن هذا الدور الريادي الذي قام به شيوخ مجموعة إدابلحسن طيلة ثلاثة قرون قد مكن هذه المجموعة من التحكم في العملية التجارية بشكل واسع، وجعلها تضبط حركة البضائع، وتوسع من مصالحها وتتحكم في المنافع التي تغطي فضاء واسعا ويستفيد منها كثير من السكان.

ومن خلال نص الجنرال فيديرب نفهم أن مجال نفوذ إدابلحسن كان واسعا جدا، وأن تأثيرهم وريادتهم كانا أهم بكثير من سواهم، وأن العديد من أبرز المجموعات في الترارزة وفي البراكنة وفي غورغول كانت تنسق تجارتها مع الفرنسيين عن طريق إدابلحسن، وهو ما يدل على المكانة والتمكن والثقة والتآلف.

وأن ما كان يحظى به العالم بن محم بن اختيره وبنوه وأحفاده طيلة ثلاثة قرون يشبه ما كان يحظى به الأمير بكار بن اسويد أحمد من ثقة مجموعات كثيرة في تگانت والرگيبه والحوضين كما رأينا في مقالنا عن إمارة إدوعيش.

وهذا الريادة المتميزة والسيادة الواسعة أمر يسهل فهمه إذا ما نظرنا إلى التأثير العلمي والإشعاع الثقافي الذي ميز مجموعة إدابلحسن عن غيرها، بل جعلها سباقة في مجال العلم ونشره، وجعل دورها في هذه المناطق وفي غيرها أمرا ملحوظا وسيرة محمودة ونهجا متبعا.

ومن نافلة القول إن محظرة إدابلحسن كانت أم المحاظر في الترارزة والبراكنة وإنيشيري وتيرس، وكانت المنبع الذي سقى تلك الروافد، والظل الذي غطى تلك الأصقاع، وأن أسانيد شيوخ تلك المناطق تعود كلها إلى المحظرة الحسنية الأم. ذلك أن الفاضل بن أبي الفاضل الحسني الفاضلي المتوفي سنة (1112هـ أي 1700م)، الشهير بشيخ الشيوخ الحسني وهو من أولاد بوالفاللي الآخذ عن علي الأجهوري المصري المتوفى سنة 1066هـ، كان شيخا للعديد من الشيوخ الموريتانيين ممن نشروا الفقه في أصقاع كثيرة. فقد أخذ عن شيخ الشيوخ الحسني الفقيه أحمدُ بابَه بن الحاج الإديجبي (توفي سنة 1136هـ/4-1723م) وهو جد حبيب الله بن القاضي وابنه محمد محمود (توفي 1277هـ أي 1860م) شيخا محظرة الكحلاء والصفراء بالبراكنة والتي تخرج منها العلماء المؤلفون والشيوخ المشهورون والطلاب النابهون.

كما أخذ عن شيخ الشيوخ الحسني أيضا مسكه بن بارك الله بن أحمد بزيد الشمشوي اليعقوبي (المتوفى في حدود 1137هـ/5-1724م)) ومنه تفرع الكثير من محاظر تيرس بفقهائها وشعرائها وطلبتها. وأخذ أيضا عن شيخ الشيوخ الحسني كذلك القاضي بن اعلي امُّمُّو السباعي وهو شيخ أشفغ الخطاط عمر الملقب آبّيهْ والمتوفى سنة 1196هـ/ 1781-2م، وهو صاحب التأثير العلمي الواسع في إينشيري، والذي أخذ عنه محمد بن محمد سالم المجلسي (توفي سنة 1196هـ/ 1781-2م) صاحب أشهر محظرة فقيهة شنقيطية وهي محظرة أهل محمد سالم ومن أبرز خريجيها الكثر وطلابها النابهين الأفذاد يحظيه بن الودود الجكني نسبا والگناني وطنا وخؤولة (توفي 1359هـ/ 1940-1م)، كما أخذ عن أشفغ الخطاط حمدي بن المختار بن الطالب أجود الشريف وهو شيخ وخال الفقيه الجليل وقاضي قضاة إمارة الترارزة محنض باب بن اعبيد الديماني (توفي 1277هـ/ 1860م) صاحب المحظرة المشهورة والتآليف المفيدة الرائدة. كما أخذ عن شيخ الشيوخ الحسني كذلك ألفغ سيدي أحمد بن محم بن القاضي العلوي وهو جد بيوت العلم العلوية حيث محاظر ومدارس أهل بدي وأهل فتى وأهل الحاج وأهل محمودي وغير وغير.

وقد أخذ عن شيخ الشيوخ الحسني من عشيره الأقربين بابه نحمود الحسني الآشي وقد تسلسل في ذريته العلم والشعر وهو جد الشاعر المفلق محمد فال بن عينينا الشهير المتوفى سنة 1356هـ، كما أخذ عنه محنض بن أحمد بن كنتَه من إدوكتشلل (المتعلقون بالله) ومن ذريته شيخ المحظرة الجليل محمدُّو بن أمي وغيره.

وهذه المعطيات الغاية في الأهمية والمتعلقة بالأسانيد الفقهية الموريتانية المتصلة بشيخ الشيوخ الحسني مصدرها وثيقة في مكتبة أهل الشيخ القاضي بالبراكنة ومنقولة من خط الفقيه الجليل والعالم المدرس أحمد محمود بن يدَّادَّه الحسني الآشي المتوفي سنة 1382هـ/ 1963م.

ونظير المدرسة الحسنية في تأثيرها الواسع وتمدد فروعها المدرسة الحاجية في ودان؛ حيث كانت مدرسة سيدي أحمد بن أيدَّ القاسم الحاجي الوداني توفي قبل سنة 1086هـ أم المحاظر ومنطلق الأسانيد الفقهية في آدرار وتگانت والرگيبه والحوضين. فشيخ الشيوخ الحسني وتأثيره في محاظر الترارزة والبراكنة وغورغول وإينشيري وتيرس هو نفسه تأثير سيدي أحمد بن أيده القاسم الحاجي آدرار وتگانت والرگيبه والحوضين.
وهذا ما يفسر الريادة والسيادة التي حظيت بها المجموعة الحسنية خلال القرون الثلاثة التي تعامل فيها الأوروبيون مع الموريتانيين، والتي كانت أسرة أهل العالم بن محم بن اختيرة واسطة عقدها وحامل ولوائها.

الدكتور سيد أحمد ولد الأمير

اظهر المزيد