من ينقذ موريتانيا من هذا الحوار العبثي ؟

*من ينقذ موريتانيا من هذا الحوار العبثي* !؟ / سيدي علي بلعمش

إحالة منسق الحوار الوطني مُلَخَّصًا أوليا مؤقتا لخارطة طريق الحوار ، على “الفاعلين السياسيين” (أفرادا و تشكيلات) ، يعني أن هذا الحوار المتخبِّط في وحل أسبابه و الأهم منها (في ما يبدو) ، أُعِدَّ (بوعي أو بغير وعي) ، لخلق أزمة لا لحل أزمة ، لأن مثل هذا الخلط بين الأسباب و النتائج ، يوحي بضبابية تتواطأ مع كل المفاهيم ، من دون تقدير المخاطر ..

و حين يكون الحوار أهم من نتائجه (لأمر في نفس يعقوب) ، تكون مهمتنا البحث عن ما يعنيه ، لا عن ما يقوله السيد موسى افال لتبرير حوار من الواضح أنه لا يكترث لمخاطر فشله !!

الحل الجيد يا سيدي موسى افال هو الحل الذي لا يُرضي أي طرف و لا يستطيع أي طرف رفضه ..

أما حلكم الذي يحاول إرضاء كل الأطراف و تستطيع كل الأطراف رفضه ، فهو جزء المشكلة الأخطر و الأقدم و الأرسخ انعكاسات على مر الزمن ..

و بنظرة خاطفة على الورقة المقدمة من قبل السيد موسى افال ، نجد أنها تنكأ كل جراح الماضي بشكل مفتوح ، لا يمكن أن يفضي إلى أي نتيجة إجابية :
ـ العبودية ،
ـ الإرث الإنساني ،
ـ الملفات الحقوقية العالقة ،
ـ ترقية التنوع الثقافي /
ـ مراجعة الإطار الديمقراطي و الانتخابي،
ـ تمكين الفئات الهشة ،
ـ تكافؤ الفرص ،
ـ تحسين الحوكمة ،
ـ تعزيز النزاهة ،
ـ ترشيد الإنفاق العام ،
ـ تحديث الإدارة ،
ـ تحسين مناخ الأعمال ..

# العبودية لم تعد موجودة في موريتانيا ، المتقدمة كثيرا في مجال محاربتها ، على كل دول المنطقة . و من لا يعترف بهذه الحقيقة ، يُتاجر بقضية مقدسة .
و ليس للحوار أي علاقة بمكافحة الجريمة : نعم هذه جريمة في حق الوطن على أجهزة الأمن و القضاء أن يعاقبوا أصحابها ..

# “الإرث الإنساني” ، يبدأ بمغالطة حين ينتقي ضحاياه و ينسى من هم أجدر منهم بالتعاطف من أصحاب المشاريع الوطنية الجامعة (16 مارس و غيره) ، الخالية من التآمر و العنصرية : فمن يظلم من في ما تسمونه “ملف الإرث الإنساني” و مقدمته المُعلِنة لتمرد الفولان السينغاليين على النظام الموريتاني ، المتمثلة بأقبح تجلياتها في “إعلان الزنجي المضطهد” (1986) .

و المعروف عبر كل تاريخ العسكر الطويل ، أن كل انقلاب ناجح بطول وطنية و كل انقلاب فاشل جريمة نكراء و خيانة عظمى أكبر من كل عقوبة . و أجرم الانقلابات التي عرفتها البلاد و أقلها إنسانية ، هو كان تمرد جماعة ما يسمونه اليوم بـ”ملف الإرث الإنساني”

إدراج هذا الملف الظالم الذي تمت تسويته في خمس اتفاقيات موقعة من جميع الأطراف المعنية ، نحتاج اليوم ، إلى من يقنعنا بأي جديد يأتي موسى افال اليوم لحله !!

# أي “ملفات حقوقية عالقة” ، يا أستاذ موسى افال ؟
الملفات الحقوقية (إن وجدت) ، من اختصاص المحاكم و ليست من اختصاص الحوارات : تلك هي أعدل طرق معالجتها و التشكيك في عدالة قضاء البلد أخطر من تلك الملفات “العالقة” ، كان من المفروض أن تكون هي المطروحة لا نتيجتها ، إذا كانت لموسى افال الشجاعة على القيام بواجبه !!

# “ترقية التنوع الثقافي” ضحك على الذقون في بلد تَفرضُ عليه أقلية في حدود 8% ، لغة المستعمر و كتابة لهجات عجزت عن فرضها في بلدان تمثل فيها الأغلبية الساحقة و إصرارها على رفض اللغة الوطنية للبلد و مطالبتها بالتساوي في الفرص : كان باستطاعتنا أن نفهم طرح هذه الإشكالية ، لا المشي عليها بهذه الطريقة التي تجعل المجتمع و السلطات في محل اتهام مسكوت عنه !!

أما بقية بنود مشروع حوار موسى افال ، فكلها إنشائية ، مائعة و تعني كل شيء و عكسه :
ـ مراجعة الإطار الديمقراطي و الانتخابي،
ـ تحسين الحوكمة ،
ـ تعزيز النزاهة ،
ـ ترشيد الإنفاق العام ،
ـ تحديث الإدارة ،
ـ تحسين مناخ الأعمال ..

السيد موسى افال ، نسخة الديمقراطية التي تعمل عليها و منظمات مجتمعها المدني و أحزابها الصورية و صحافتها المتاجرة بكل شيء ، جرائم ابتدعتها أمريكا لإضعاف الأنظمة و انفلات الشعوب ، لم تقبلها أمريكا يوما على أرضها و لم تؤمن بها يوما ..

# السيد موسى افال ، قضايا ما تسمونها “الفئات الهشة” و تحتكرون هشاشتها لربطها بمن تشاؤون و حرمان من تشاؤون منها ، أقدم و أخطر منها هشاشة النظام و هشاشة النخبة و هشاشة المنطق و هشاشة القانون ، لأن هشاشتها نتيجة لهشاشة كل منظومة الحكامة وليس العكس ؛ فراجعوا كل نقاط مشروع حواركم لتكتشفوا أنكم تضعون العربة أمام الحصان في كل شيء ..

لم يطرح مشروع حوار السيد موسى افال ، ما وصلت إليه السياسة من فوضى و سوقية ، نتيجة غياب المعيارية !!

لم يطرح استخدام التعابير العنصرية الصريحة بأعلى درجات الوقاحة ، المسموحة للبعض و الممنوعة على البعض !!

لم يطرح احتقار مافيا المتاجرة بالمقدسات للمجتمع و السلطات و وصفهما بكل النعوت الجائرة من الآبارتايد إلى العبودية و هم يُقتلون في دول الجوار على الهوية و ينسون أنهم أكثر من يتسترون على العبودية داخل فئاتهم الاجتماعية في كل دول المنطقة !!

لم يطرح شروط الكفاءة للترشح للرئاسة و المناصب الانتخابية التي أصبح أصحابها يتبجحون بتمثيل شرائحهم ، لا بتمثيل الشعب !!

لم يطرح اشتراط الاعتراف بشرعية النظام و احترام كل مواد الدستور (المادة السادسة على وجه الخصوص) ، لمن يطالبون بترخيص أحزاب أو منظمات !!

لم يطرح حوار موسى افال إلا ما كان يجب أن يتفادى طرحه من حساسيات ، يرفض من يعيشون على ريعها ، المشاركة في أي نشاط يسعى إلى فضح حقيقتها و حقيقتهم !!

كان باستطاعتنا أن نتقبل بنود حوار موسى افال لو كان هو من يرفض مشاركة أمثال بيرام و تيام صامبا و صار إبراهيما ، في حوار “وطني” جاد ، لا يقبل التلاعب بالمقدسات ، أما وقد أعلن أن لا معنى للحوار في غياب بيرام ، فلا يمكن أن نصف حواره بغير المهدد للأمن و الاستقرار !!

قد يسعد السيد موسى افال بأضواء حفل افتتاح هذا الحوار المجنون ، لكنني أتحداه أن يستطيع الخروج منه ، حتى لو رضي من الغنيمة بالإياب ..

أنصح السيد موسى افال و كل سلطات البلد بإلغاء هذا الحوار العبثي غير محسوب العواقب ..

و الأيام أمامنا ..

*حفظ الله موريتانيا*

اظهر المزيد