لماذا نحن؟!سيدى علي بلعمش
هوية أي بلد لا تحددها المراسيم السياسية و لا القرارات الفوقية و لا التسويات المرحلية و لا صفقات التراضي الظلامية ..
موريتانيا بلد عربي مسلم منذ كانت و ستظل بلدا عربيا مسلما أصيلا بتاريخه و ثقافته و انتمائه الديني و الجغرافي ..
إخواننا الزنوج يشتركون معنا في الجغرافيا و الدين و الدم و الثقافة..
لم ننعتهم يوما بالأقلية و لا بالغيرية .. لم نعاملهم يوما بغير المواطنين الأصيلين ؛ منهم عمومتنا و خؤولتنا و مشايخنا و قادتنا السياسيين و العسكريين و أهلنا و أصدقاؤنا و جيراننا و أحبتنا ..
لم تظهر أي فوارق بيننا و لا أي تنافس سلبي في أي مجال آخر قبل طبخة الاستقلال التي رسمها المستعمر على المقاس بما يزرع عادة في كل بلد حديث من قنابل موقوتة يفجرها متى شاء للتحكم في مصيره و زعزعة استقراره متى شاء ..
كان مؤتمر ألاگ مختبر هذه الطبخة السامة التي ابتلع طعمها جيل أرباع المثقفين المعتبرين أنفسهم نخبة رغم تدني مستوياتهم الثقافية و اضمحلال مستوى وعيهم الوطني و غياب رؤيتهم لأي أفق مستقبلي..
و فيما كانت النخبة الزنجية مُختارة و مؤطرة و موجهة من قبل الفرنسيين ، كانت النخبة العربية مرشية و مهددة : مرشية بالوظائف و القبول و الكلمات المعسولة ( النخبة ، العروبية ، التقدمية …) و مهددة بوَفرة البديل في حال عدم التحلي بأعلى درجات اللباقة و التفاهم ..
هذا التفاهم غير المكتوب بين مجموعة بارعة في الحفاظ على مصالحها من جهة و أخرى خبيرة في ترويض النخب البسيطة و بسيكولوجيا الشعوب ، هو ما جعل هذا الاتفاق الضمني لم يجد حظه من “الترسيم” في صفحات التاريخ ..
اليوم ، تجاوزًا لكل مخلفات مؤتمر ألاگ المريرة بكل مراحل شحن الزنوج و أطماع الجوار و لا مبالاة البيظان و اضطراب سياسة المستعمر و إرباك مخططاته بعد النقلات الثورية الموريتانية ضده ، التي لم يتوقعها بل لم يصدقها و لم يفهم أنه لم يفهم البيظان قط إلا من خلالها : (إنشاء الأوقية و تأميم ميفيرما و إلقاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا) ، تعرت كل الجرائم الفرنسية في حق بلدنا بما لا يحتاج ألمعية و لا دهاء لفهمه.
كان هذا السلوك المتحدي لعظمة و جبروت فرنسا ، مدعاة حقيقية للتفكير في تأديب موريتانيا و كانت قنبلة ألاگ الموقوتة التي تم العمل على توسيع مداها في غفلة من النظام الموريتاني و بمساهمة منه أحيانا (اتفاقيات حرية التنقل و التجارة و العمل بين بلدان المنطقة و سهولة الحصول على الأوراق الوطنية و سهولة تزويرها و جهود ولد داداه إبان توليه لمأموريتين متتاليتين لرئاسة الاتحاد الإفريقي 1971 – 1972 التي قطعت أو جمدت فيها أكثر من أربعين دولة إفريقية علاقاتها مع الكيان الصهيوني) ، هي نقاط ضعف النظام الموريتاني الذي فشل في رسم سياسة وقائية على حجم طموحاته و مخاطر قراراته و توجهاته ..
أدخلت فرنسا ولد داداه في شبه حرب أهلية ، أنهكت نظامه و دمرت كل ما بناه و أوكلت مهمة تفتيت وحدته و توزيع شظاياه إلى أخطر أياديها الخفية في المنطقة (المغرب و السنغال بمظلة إسرائلية منتقمة) ..
و لا تنسى إسرائيل أبدًا أن موريتانيا هي كانت البلد العربي الوحيد الذي يمنح الفلسطينيين جوازات سفر و أكثر العمليات الفدائية الفلسطينية في السبعينات تمت بجوازات سفر موريتانية . و كانت البلد العربي الوحيد الذي يمنحها حصة من إذاعته (صوت فتح) . لهذه الأسباب قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير (حينها) : “من بين الدول العربية و الإسلامية الأكثر عداء لإسرائيل ، هي موريتانيا و سيأتي يوم ندخلها مشكلة لن تعرف كيف تخرجها منها أبدًا” ..
بعد ميثاق الزنجي المضطهد المكذوب و الانقلاب الزنجي العنصري و أحداث 89 مع السنغال (بسبب شجار بين مزارع و منمي سينيغاليين )، كان على موريتانيا أن تكون أو لا تكون ، فتفرَّس ولد الطائع و أربك الجميع بما يسميه البعض جنوح الزعيم الشهيد صدام حسين في محاولة لنكران الجنوح التاريخي الأبعد (محلَّ التشكيك و الازدراء ممن لا يفهمون معنى التاريخ)..
وقَعت المعارضة الموريتانية حينها في خطيئة لا تغتفر باصطفافها نهارا جهارا خلف إسرائيل و فرنسا و المغرب و السنيغال ، بدافع الانتهازية الأعمى ، في خلط مخجل بين حقها الكامل في معارضة النظام و خيانتها العظمى في معارضة الوطن ، فكانت ردة فعل ولد الطائع أدهى باختطاف إسرائيل من أياديهم الوسخة ، لكنه لم يكن يملك رجال مشروعه و لا أقل وسائل استمراره..
منذ ذلك اليوم ، أصبحت الأنظمة الموريتانية ضحية لسلسلة بلا نهاية من الابتزازات من قبل المجموعات الزنجية حتى ذات الأصول غير الموريتانية . و كان أكبر خطأ ترتكبه هذه الأنظمة عبر التاريخ ، هو صناعة الأبطال من إعدائها على حساب الولاء الصادق لأبناء الوطن الأوفياء من الزنوج الموريتانيين الأقحاح ..
و اليوم ، بعد تعثر التعليم حد الموت السريري و البحث عن طرق ما زالت شبه مستحيلة ، لانتشاله من هذا الوضع الكارثي ، يأتينا قرار إدراج اللهجات الوطنية الميتة في المناهج التعليمية و هو قرار وُلِدَ ميتا بطبيعة الحال لأنه لن يجد من يهتم بتعليمه و لا من يهتم بتعلمه ، لكنه يعيدنا إلى مستوى الابتزاز الممارس ضد السلطات الوطنية :
– فلماذا نحن ؟
– أين تدرس هذه اللهجات الميتة في غير بلدنا ؟
– ما هي الجريمة المرتكبة من قبل نظامنا التي تلزمه بالخضوع لهذا الابتزاز المعبر عن منتهى ضعف النظام و منتهى استفزاز المطالبين به !!؟
لا نقولها خوفا من سريان مفعول هذا القرار العبثي غير القابل للتنفيذ بأي معجزة ، لانعدام كل مبرراته حتى الافتراضية ، لكننا لن نخجل أبدا من طرح سؤالنا الحائر “لماذا نحن” !!؟
فلماذا نحن !!؟؟
لماذا نحن !!!؟؟؟