مجرد كلام آخر/سيدي علي بلعمش
الموظفون في هذا البلد المستباح ، وصلوا درجة من الفساد ، لم يعد يردعها غير مصادرة الأموال و القتل شنقا أو المؤبد مع الأعمال الشاقة.
و لو حسبتم كم من مواطن يموت من الجوع أو المرض ، كانت مائة ألف أو مائتي ألف أوقية قديمة ، تكفي لإنقاذ روحه و قارنتموها مع من يختلس مليارات الأوقية ، لفهمتم أن قتله شنقا لا يكفي لتطهيره من الذنب و لا لتطهيرنا من محاسبته ..
– كان قرار رئيس الجمهورية بإقالة مدير (SNDE) و نائبه ، قرارا صائبا ، نرجو أن يكون بداية سياسة إصلاح لم يعد منها بد ..
لكن هذا القرار لم يكن موازيا للجريمة و لا عادلا في حق مرتكبيها و لا رادعا لغيرهم ..
ما أجملها من جائزة يتمناها كل مجرم ، حين تكون الإقالة هي عقوبة من يختلس مبالغ ضخمة تعد بالمليارات !!
– كان على الرئيس أن يأمر بتوقيفهم و فتح تحقيق في القضية حتى تثبت إدانتهم (لأن براءتهم غير واردة) . و لا ينتهي التحقيق إلا باستكمال لائحة أعوانهم و سجنهم جميعا و مصادرة كل ممتلكاتهم ..
هذا هو الإجراء العادل في حقهم و الرادع لغيرهم . و ما عداه لا يخرج عن ما عداه من إجراءات مسرحية ، تمتص حماس الشعب المخذول و تعيد المعنيين إلى أقرب حلقات طابور التدوير ..
إصلاح الإدارة و تقريبها من المواطن ، يبدأ بـ :
-إعطاء كل موظف صلاحياته التي يحددها له القانون ، لا ما يحدد له من يرأسه ..
– أن يكون الموظف محميا من غطرسة رؤسائه ..
– أن يشكل النظام مجلس تأديب مستقل لكل موظف في خلاف مع رئيسه ، لا أن يتم تأديبه من قبل رؤسائه ..
– إلزام الموظف بالحضور في الوقت و البقاء في مكتبه حتى آخر لحظة ..
– إلزام الموظف بتغيير السلوكيات البائدة : استقبال الأصدقاء و المعارف في جلسات عبثية لا تنتهي إلا بنهاية دوامه ..
– محاسبة الموظف ، حين يشتكي أي مواطن من سلوكه أو تأخير معاملته أو عدم الالتزام بمواعيده ..
– إلزام كل موظف بالاهتمام بهندامه و نظافته و نظافة مكتبه و ترتيب ملفاته بالطرق الإدارية : لا تستطيع اليوم العثور على ملف أودعته لأي إدارة قبل أسبوع : الإدارة الجمهورية أصبحت أكثر إلحاحا من المدرسة الجمهورية ؛ في توحيد زيها و تأهيل رؤسائها إداريا و أخلاقيا و سلوكيا ..
– الوزير و الأمين العام و المدير ، ليس عملهم ترويع الموظفين و لا تأديبهم و إنما التعاون معهم و مراقبة تأدية واجبهم ..
– الأمين العام ليس ملزما بالتغطية على أخطاء الوزير و لا مَنْ تحته ملزم بالتغطية على تجاوزاته هو : هذه المفاهيم الخاطئة ، السائدة ، المستشرية ، المتخلفة ، هي التي حولت الإدارة إلى بازار حقيقي بلا قوانين و لا أدبيات ، يستبيح فيه القوي الضعيف في غياب كامل لأي قدر من عدل أو أخلاق ؛ في ظل مناخ من التفاهمات المشينة ، لا يخجل فيها معالي الوزير المحترم ، من المساومات الدنيئة مع المحاسب و لا يستحي السيد الأمين العام الموقر ، من السمسرة مع هذا و ذاك في أمور تافهة ؛ فأي مسؤولين هؤلاء ؟
هؤلاء يمثلون أعلى درجات الانحطاط و اللا مسؤولية و الشفقة على البلد و أهله و حكوماته ..
البلد يا فخامة الرئيس ، يغص بالأطر الأكفاء ، النزهاء ..
يغص برجال جمهوريين أوفياء ، يترفعون عن ما تتخبط فيه أجيال الانتكاسة من صغائر الأمور ..
يغص بالكفاءات المبدعة ، الغيورة على الوطن ، المتألمة لما يتخبط فيه ،
لكن ماذا نفعل يا فخامة الرئيس ، إذا كانت كفاءتهم و نزاهتهم و غيرتهم على الوطن ، هي بالضبط أسباب تهميشهم ، و استبعادهم و الحذر من دخولهم أروقة الإدارة ؟!؟
فخامة الرئيس ، نحن “هنا” ، أمام لعبة قديمة ، يدرك الجميع تناقض ما يقال فيها و ما يُفعل ..
نحن “هنا” ، أمام جبل من مبررات الفشل المضحكة المبكية ..
نحن “هنا” ، أمام طوابير من كل الفئات ، من الفاشلين ، الفاسدين ، المُفسدين ، المتبجحين بولاءاتهم الكاذبة و كفاءاتهم المكذوبة ..
فخامة الرئيس ، هل نُخرج لكم صوتيات ، يقول فيها بعض وزرائكم ، إن الرئيس أهم من موريتانيا ؟
هل نُخرِج لكم تسجيلات بالصوت و الصورة ، يكرر فيها بعض كبار رجال ثقتكم ، (على طريقتهم) ، قول الأفارقة “الربُ كبير لكن “التوباب” ليس صغيرا”؟ حتى عُتاة الوثنية الإفريقية ، لم يمنحوا صفات الرب (جل و تعالى علوا كبيرا) ، لأحد أتفه و أجهل ظَلَمَة التاريخ (“أشبع من جوع …”)، أذله الله جوعا ، بما افتراه من إفك و نفاق..
سيدي الرئيس ، أتنسون .. أيمكن لأي منا أن ينسى ، شهادة سفيرنا في ليبيا أمام محكمة دولية ، يتابعها العالم أجمع ، بأنه ودَّعَ الصدر في مطار طرابلس ، متجها إلى روما !؟
سيدي الرئيس ، مثل هذه الشخصيات المستعدة لتنفيذ أي جريمة مدفوعة الثمن ، لا تُمَكَّنُ من تمثيل بلد ما زال في طور بناء أعمدة بقائه ؛ فما ذنب دولة الكويت الشقيقة يا سيدي !؟
سيدي الرئيس ، إصلاح موريتانيا لا يتطلب أكثر من قرار صارم و إرادة صادقة و خطاب تنبيه و تحذير من نصف صفحة . أما أي كلام آخر فهو *مجرد كلام آخر* ..