العلافة بين السلطة والمثقف / إسلمو ولد سيدي أحمد

قد لا تكون معالَجة هذا الموضوع ، بالسهولة التي قد يتخيلها بعضنا؛ فهو موضوع بسيط في ظاهره، معقد في جوهره.

إنّ إعطاء تعريف جامع مانع للمثقف، يكاد يكون مستحيلا؛ لأن القضايا البشرية من هذا النوع تتسم عادة بالنسبية.

قد يرى بعضهم أنّ المثقف، هو من حصل على قسط وافر من التعليم، غير أننا قد نجد متعلما غيرَ مثقف، وقد نجد مثقفا غير متعلم (بالمعنى النظامي للتعليم)؛ ولعل هذا يشبه الوضع عندنا في موريتانيا، فيما يتعلق بالحضارة؛ إذْ لدينا حضارة في البوادي، مع أن الحضارة في الأعراف العادية مرتبطة بالتمدن.

لقد كنا في الماضي، نعرِّف “المثقف” بأنه مَن يُلِمُّ من كُلٍّ بطرف (الإلمام أضعف درجات المعرفة)؛ بحيث يكون قادرا على الإدلاء بدلوه-بمستويات متفاوتة- في جميع الموضوعات: يكون له رأيٌ في الفكر والأدب والفلسفة والمنطق والسياسة والاقتصاد، وغير ذلك. ولكن هل ينطبق هذا الوصف/ أو التعريف-في الوقت الراهن- على المثقف الذي نحن بصد الحديث عنه، وعن علاقته بالسلطة السياسية الحاكمة؟

في محاولة لفهم دلالة “الثقافة والمثقف”، من الناحية اللغوية، أرى أنّ الثقافة، والحِذق، والفِطنة، والمهارة، واستعداد الذهن لإدراك ما يرد عليه، ألفاظ تندرج كلها ضمن حَقْل دلاليّ واحد؛ بمعنى أن المثقف، ينبغي له أن يكون حاذقًا، فَطِنًا، ماهِرًا، له ذِهن مستعد لإدراك ما يَرِد عليه.

وبهذا التصور، يخرج من دائرة المثقف من لم يتصف بالصفات المذكورة أو ببعضها.

وما أكثر مَن يصفون أنفسهم بالمثقفين، في هذا العهد (عهد ثقافة “الوجبات السريعة”، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونحوها) !

فيما يخص العلاقة بين المثقف والسلطة، فإنّ المثقف-كما هو معلوم- إمّا أن يكون مواليًا للسلطة، وإمّا أن يكون معارضًا لها، وإمّا أن يكون مستقلّا.

يجب هنا أن نفرق بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون؛ ينبغي للمثقف أن يكون لديه مستوًى مقبولٌ من المعارف العامة، وأن يكون صاحبَ رسالة تخدُم المصلحة العامة للوطن والمواطن، لديه مبادئُ سامية وأخلاقٌ عالية وقيم فاضلة، يقتنع بها ويدافع عنها؛ وبذلك يكون مؤثرا في الدائرة التي ينتسب إليها؛ يكون مؤثرا بطريقة إيجابية في صنع القرار إذا كان مواليا للسلطة، ومؤثرا في رسم سياسات وبرامج المعارضة، إذا كان معارضا، ومؤثرا في السلطة، وفي المعارضة، وفي المجتمع برُمته، إذا كان مستقلا.

من هنا، نجد أن المثقف في زماننا هذا، ينبغي له بل يجب عليه القيامُ بدور إصلاحيّ فاعلٍ في دوائر الدولة وفي أوساط المجتمع، في جميع الأحوال والأوضاع .

مع الإشارة إلى أنّ  وجودَ علاقة صحية  بين السلطة والمثقف، يتوقف على مدى اقتناع أصحاب السلطة بأهمية دور المثقف في بناء الأمة، وبضرورة إشراكه في التنظير والتخطيط والتنفيذ، كما يتوقف على احترام المثقف لنفسه ومدى قدرته على تبليغ رسالته بالحكمة والموعظة الحسنة (دون شتْم أو سَبٍّ أو لعْنٍ أو تخوينٍ..). وبذلك، تقتنع السلطة بجدية طرحه، وبحَصافة فِكره، وبسلامة تصَوُّره للأشياء، ويجد صدًى طيبا لدى المجتمع.

إنّ المتتبع للسمات البارزة لعلاقة المثقف الموريتاني بالسلطة، في فترات سابقة، يلاحظ-بصفة عامة- أن المثقف لم يكن مؤثرا- بالمستوى المطلوب- في القرار السياسي؛ الأمر الذي جعل المثقف في وادٍ والسلطة في وادٍ آخرَ. وكأنّ صاحب السلطة، يقول في نفسه: ليقلْ/ أو ليكتبْ المثقف ما يشاء، وأعمل ما أشاء ! ولسان حال المتعاطف مع المثقف، يكرر قول بشار بن برد:

لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا * وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي.

ولعلنا نتفاءل، بانفتاح السلطات الحالية على القوة الحية في البلد؛ ممّا يُتيح فرصة للمثقف تجعل منه مُنَظِّرًا ومُوَجِّهًا ومرشدا أمينا للسلطة، بغية تسيير الشؤون العامة بطريقة صحيحة (ما يعرف بالحكامة الرشيدة) تخدم الوطن والمواطن، وتجعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار؛ فلا حياة لأمة لا تأخذ بآراء مثقفيها.

وفي ذلك نوع من التصالح والتفاهم وتبادل الأدوار بين السلطة والمثقف، من خلال فتح صفحة جديدة في العلاقة بينهما. والله ولي التوفيق

من موقع موريتانيا الآن

اظهر المزيد