في ذكرى وفاته: أحمد بابا مسكة تحفة الفكر والنضال
تحل اليوم الذكرى الخامسة لفقيد المبدإ والفكر الثوري أحمد بابا مسكة رحمة الله عليه. ولا شك أن الحديث عن هذه الشخصية التاريخية الفذة لايستنفذ معينه أبدا لأن الفقيد وسم مراحل بكاملها بصبغة خاصة لاتضاهى إلا عند القادة العظام الذين حملوا وتحملوا وزر الكلمة، وعناء الشعوب، وديدن الكفاح المستميت رغم صروف الزمن وتقلباته..فالحديث عن عظماء التاريخ ذو شجون لأنه يسرح بنا في رحاب الثورات الإنسانية التي أنجبت رجالا مقاومين في عز الشباب فما وهنوا ولا استكانوا حتى خلدت أرواحهم إلى بارئها …؛ لكن مآثرهم باقية وستبقى كذلك… فبقدرما يسرح بنا إستحضار أمجادهم ومناقبهم؛ بقدرما تمر أمامنا مساطر المجد والملاحم التي صنعوها تحت الضيم والجبروت والألم والقهر في غياهب السجون والمعتقلات، وتحت ظلال معاناة التشرد والتشرذم وكل صنوف إكراهات الحياة … كل ذلك بحثا عن الحقيقة ودفاعا عن العدالة الضائعة وكرامة الإنسان…لقد كان العبء ثقيلا والمسؤولية جسيمة ؛ لكن قوة الإرادة وصلابة الموقف وبعد النظر وقمة التحمل جعلت كل المعوقات والمحاذير والأخطار تذوي وتذوب لأنه لاشيء أقوى من عزيمة الشعوب ؛ والتي مثل الفقيد احمد بابا مسكة احد معالمها البارزة ..
إن سجل شهيد الفكر والحرية حافل بمآثره العديدة، والتي اكتسحت أرحب الحقول والمجالات فكريا وسياسيا… فله موطئ قدم هنا وهناك… أستاذا، مفكرا، محاضرا وثائرا ومجمعا للسياسة والديبلوماسية التي عركها بفعل تجاربه المتراكمة في الميدان.. فمن منا لا يتذكر – نحن الصحراويين- صولاته وجولاته المفعمة بروح المقاومة والنضال في كنف الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب كأحد إطاراتها الوازنة؟ ومن منا لايتذكر ذلك الأثر السياسي في التجربة الوطنية وذلك الملمح الخاص الذي ميزه رفقة شهيد ثورتنا ورفيقه في الكفاح “الولي مصطفى السيد”؟ بل إخلاصه للمبدإ دون تراجع اوهوان؟ ومن منا لا يفتخر زهوا بأولئك الأبطال الذين أسسوا اللبنات الأولى لتجربة فريدة من عمق الأسى والعنت والمظالم؟
لقد كان ولا يزال فقيدنا عنوانا لمرحلة عنوانها الثبات على المبدإ والقيم الثورية التي تآلف حولها كل سعاة الحرية والعدل والمساواة ومقاومة الاستعمار وأذنابه…
إن فقيد الفكر والثورة والذي نستحضر اليوم ذكراه بالكثير من العزاء؛ قد نقش في ذاكرتنا الجماعية : كم هي عظيمة قيم الإباء والوفاء للعهد وكم تصغر العظائم أمام رجال عظماء ألهمتهم القناعة والارتباط المصيري بهموم الشعوب أن يواصلوا مشوارهم النضالي دون هوادة أو تخاذل حتى الرمق الأخير ولم تثنهم مغريات الحياة وأشكال النفوذ والجاه السياسي عن الوفاء للعهد ؛ مثلما لم تردعهم نوائب الزمن وتظلمات الحكام وأهوال الشتات والغربة عن التمسك بالحلم / الثورة كعقد فطري تناغم فيه ”الإنسان” بما تحمله الكلمة من معنى مع الهم العام بمعزل عن الأنا المغرقة في ذاتيتها!!!
وكما خلف الفقيد تجربة تحتذى بنظرته الثاقبة للإنتماء الفكري بداهة قبل غيره ؛ خلف إرثا إنسانيا غامرا من خلال محاضراته ومؤلفاته ودراساته والتي جسدت في مجملها ذاك الإرتباط الحميمي مع مشاعر الناس وقضاياهم الشاغلة والتي تختزل دون شك : أن ساحات المعركة ليست حكرا على مكان أو زمان بل إن معاناة الشعوب ومكابدتها للظلم السياسي والإجتماعي يحددها لون واحد … ولذلك فهو قد مثل بحق – من هذا المنطلق – أحد الرواد الأوائل الداعين والداعمين ل”مغرب الشعوب” كحلم نرنوا له جميعا….
فتحية وإجلالا وتقديرا للمناضل أحمد بابا مسكة والرحمة، الرحمة لشهدئنا الأبرار وإننا لعلى الخط سائرون..