محاكمة العشرية مقياس الانتماء و الولاء

تابعت محاكمة المشمولين فى ملف فساد العشرية الاولي عن بعد عبر تغطيات بعض الاخوة الصحفيين الذين احييهم و أقدر ما تلقوه من عنت في سبيل ما قاموا به من تغطيات لكننى ظللت أتوق الى معاينة الامر بنفسي مما حملنى الى الانتقال لحضور جلسة الاربعاء الثالث و العشرين من ابريل الماضى و التي كانت مخصصة للمتهيم الرئيس و الاساس فى الملف الرئيس السابق محمد ولد محمدعبد العزيز لتقديم طلباته الاخيرة قبل جلسة النطق بالحكم التى تقررت يوم الرابع عشر يونيو المقبل عند تمام الثالثة مساء .
و قد حضرت باكرا على تمام الساعة السادسة و النصف من دون حتى قلم او اوراق تحسبا للتفتيش المبالغ فيه . و قد اخترت الدخول من الباب المخصص للجمهور مما مكنني من الاطلاع على طبيعة هذا الجمهور و تصنيفه و كان فى أغلبه من انصار المتهم و أغلبهم من ذوي قرابته و يبدو انه تم إعلامهم بالحدث عبر مجموعة واتسابية و فى وقت وجيز مما حال دون حضور البعض و استعجال حضور بعض من حضروا .
دخلنا القصر بعد ان قاربت الساعة الثانية عشر و قد امتلأت الاماكن المخصصة للجمهور و المكونة من إثني عشر مقعدا طويلا متوازية ستة مخصصة للنساء جلس عليها ما يزيد على ستين امرأة و ستة مخصصة للرجال تحملت أكثر من مائة و عشرين رجلا هذا بالاضافة الى مقاعد مخصصة للمحامين و بقية المتهمين و رجال الامن و الصحفيين .
و قد حضر الرئيس السابق و هو يلبس ثيابا جديدة و بمعنويات مرتفعة رفع بها معنويات مسانديه الذين حياهم من خلال القفص الواسع الذى جلس فيه حيث حضر اليه شباب من محاميه تبادل معهم أحاديث مطولة و ملفات عدة و قد مكنتهم فسحة الوقت من التواصل مع بعض الجمهور .
ثم بدأ باقى المتهمين فى الحضور الى القاعة حتى اكتمل الجميع لتبدأ الجلسة على تمام الساعة الثانية عشر و خمس دقائق بعد حضور هيئة المحكمة التي أذن رئيسها للمتهم بالحديث بعد تنبيهه بالتزام الموضوع و عدم التكرار و عدم التجريج و غيرها من الأوامر الضرورية لسير المحكمة بشكل مضبوط و هادئ .
بدأ المتهم الرئيس السابق بالبسملة و الحمدلة و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ثم دخل فى الدعاء بخشوع لا يخفى مرارة ما يقاسيه الرجل مما دمعت عيناي له و ابكى طفلا كان بجنبي تشى ملامحه بتشابه بينه و بين المتهم قبل أن يرفع رأسه و ينهي الجلسة بكبرياء الأشبال مما يعزز ظنى به أنه من هذا الاسد المتهم .
خصص الرئيس المتهم مداخلته لضحض التهم الموجهة اليه و تقديم طلباته .
بين كيف تم سلخ الملفات المشمولة فى أصل القضية بحيث تم استبعاد كل الملفات التى قد تمس بغيره من المشمولين الاصل فى الملف بدرجة لم يبق بعدها سوى ملفات بيع الاراضى و صفقات الصين المتعلقة بالطاقة الشمسية و غيرها .
بين اولا بعض الملفات التي تم استبعادها من الملف و بين ان اسباب استبعادها يكمن فى انها ستطال شخصيات من النظام الحالي لا يريدون توريطه مثل ملف الحاويات و ملف سونمكس و ملف خمسين مليون المقدمة من طرف البنك السعودي و التى تبخرت بعد تسلمها من طرف البنك المركزي … و قد استشهد ببعض الوقائع و بشهادات بعض المعنيين ليؤكد صحة المعلومات التي ذكر بشأنها .
ثم بدأ يستطرد الملفات التي بقيت فى الملف باعتبارها تدل على إدانته ليوضح وجوه بطلان الاستدلالات المقدمةضده .
بدأ بميناء انجاكو مبينا انه تدخل لتحويل مبلغ الصفقة من 432 مليون دولار الى 380 مليون بفارق ثمانين مليون ربحتها الدولة الموريتانية .
ثم باشر الحديث عن مشروع الجهد العالي و مشروع الطاقة الشمسية حيث بين أن دافع الشاهد الذى شهد ضده هو الانتقام لحرمانه من سبع و ثلاثين مليون دولار كانت ستذهب الي جيوب المفسدين عبر مضاعفة الفوترة و قد استرجعتها الدولة الموريتناية .
و قد بين ان الوزير المعني غير مطلع على هذه الصفقة فقد تمت وفق إجراءات قانونية معتادة شرحها بالتفصيل تبين من خلالها أنه لو تم الاطلاع عليها لما تم ادراج القضية فى الملف .
ثم بين ان صفقة الطاقة الشمسية كان سيتم وفقها تغطية 175 كلم بأعمدة بطول ثمانية امتار تم ابطالها و استبدالها بصفقة غطت 185كلم باعمدة طولها عشرة امتار و بفارق اربعة عشر مليون مع بطاريات عمرها حتى الان ثلاثة عشر سنة .
ثم وصل مسألة بيع الاراضى فبين أن كل ما بيع من أراضى الدولة منذ الاستقلال و حتي فترة حكمه لم تتجاوز عائداته ثلاث مائة مليون و بالمقابل بيعت القطع التي يتم الحديث عنها بعشرة آلاف للمتر الواحد مبينا ان فرنسا و غيرها تبيع عقارات الدولة المهمة و أضاف ان ثلاثين الف هكتار تم إهداؤها من طرف النظام الحالى لرجال و مشايخ و حجابه ..دون أى ثمن . و ذكر ان الحي المسجون فيه لا يوجد فيه شارع مستقيم لأنه خططه من ملكوه بأقدامهم على حد تعبيره .ثم استطرد سلسلة من الثكنات و العقارات المهمة تم منحها منذ أيام لخصوصيين فى اطار و النعمة …
و بين الحرب التى شنها فى فترة حكمه على موريتل حتي لا تستولي على قطاعات مهمة من اراضى البوسطة معرجا على قضية انواذيب التي تركها أرضا عمومية لتشجيع المستثمرين الاجانب …
و قد فصل قضية صفقة المطار و بين ان الاموال التي تم قرضها من شركة اسنيم كانت معطلة يتلاعب بها التجار و انه لو اطلع علي نسبة قرضها لرفه و طالب بالتحقيق فى المسألة .
و فى حديثه عن منتجع الكيلمتر سبعين بين انه ليس منتجعا انما هو مجرد منزل و عدة أعرشة و أن علاقته باسنيم مجرد الاشراف عليه من الناحية الفنية مقابل عقد ايجار اما ان تبني مسبحا فيه فتلك مسؤولية الضابط المشرف مع انني مرتاح لاستفادة مجموعة من الجيش تعيش فى الخلاء و أطاللب فى التحقيق فى هذه القضية كما أطالب بالتحقيق في ملفات الصيد التي اصبح الاتراك بموجبها يعيثون فسادا فى القطاع و رغم تحملى المسؤوليةالكلية لكل ما فعله اي مسؤول فى عهدى فإننى أطالب بالتحقيق و التدقيق فى هذه القضايا مع يقيني بأن شيئا من ذلك لن يتحقق لأن المسؤوليات فيه تطال غيري .
اسرار و قضايا كشفها الرئيس المتهم .
١-صرح الرئيس المتهم بمعلومات تكشف لاول مرة الصلاحيات التي يمنحها القانون للرئيس والتي تعطيه الحق فى تغيير مواد القانون كما يحصل فى الاتفاقيات ذات الطبع الاستعجلي .
٢-كما كشف عن حصول تجاوزات خطيرة من طرف الحكومة دون علم الرئيس و ضرب مثالا باتفاقية الصيد التي وقعها وزير الصيد السابق فى عهده مع الاتراك .
٣-تجاوز رئيس خيرية اسنيم مستوي الرقابة مقابل خمسين مليون الى القيام باعمال بقيمة 250مليون بعضها فى الرئاسة و الجميع لم يطلع عليه الا الان .
٤-قضية ول امصبوع و منحه لان والده كان عاملا فى اسنيم و هي قضية تزيد على عشرين سنة و القانون لا يتصف بالرجعية .
و رغم ذلك القانون يعطى ثمانين بالمائة من تكاليف دراسة ابناء الموظفين و رغم ذلك يسجل الدبلوماسيون و غيرهم ابناءهم فى البلاد و يتقاضون هذه الرواتب بالعملات الاجنبية .
٥-الغاء شركات لم تنجح و فى الاصل تم اختراعها من طرف الاجانب لتسهيل نهب خيرات البلاد كآمكستيب و النفاذ الشامل … و التي يتقاضي مديروها خمسة أضعاف رواتب الوزراء . هذه افكار ممولين أجانب سهلوا بها نهب البلاد .
لم ينجح فى البلاد سوي الشركات الخدمية و الاخرى لا تطابق عقلياتنا .
ثم بدأ فى التساؤل عن المؤسسات الخدمية التي اختفت ككاميك و شركة الالبان و مشروع تطوير الاعلاف و مشروع تصنيع البواخر و شركة تركيب الطيران و هي كلها مشاريع مربحة للدولة و تمت بشروط قاسية ضد الممولين الاجانب كما هي حال شركة تركيب الطيران التى كان خطؤها الوحيد التعامل مع بنك مفلس .
ثم خلص الى القول بان المحكمة الاولي نفت كل التهم الموجهة اليه و بينت النيابة العامة أن الاثراء غير المشروع لا بد فيه من وجود التهم المنفية .
ثم تناول قضية التصريح بالممتلكات العامة الذى يشمل الوزراء و المدراء …فكل هؤلاء لم يسجنوا و تم سجن الرئيس الذي لا يعاقبه القانون على عدم التصريح أصلا .فقانون الحملات و عدم التصريح بالممتلكات لا يمكن تطبيقهما .
نحن تلاميذ فرنسا في اشارة للقوانين المعمول بها فى هذا المجال .
ثم بدأ الحديث عن العجز المالي الذ يستدل به على سوء التسيير فقد نزل من ١،٣١% الى ٠،١٣% اما الان فقد تجاوز العجز المالى ٣% و سينغال عجزها المالى ١٥% و كانت تقرض من الاسواق الحرة و لما اردوا سجن رئيسهم رفض المدعى العام ذلك. و نحن جميعنا تلاميذ : هم طبقوا المادة ٩٣ و نحن نريد القفز عليها لكن من شروط ذلك عدم التقادم و عدم رجعية القوانين .
ثم فتح ملف الطاقات المتجددة و النكوص عنها و استمر فى كشف الكثير من المستور لن نطيل به هذا الاستقصاء قد نخصص له تحقيقا آخر ان شاء الله .
و بعد كشف مستور بعض المحامين أعلن أخيرا تمسكه بحقه في التميز القضائي و بحقه فى عدم المساءلة المنصوص عليه فى المادة ٩٣ من الدستور الحق الذى أكدته المحكمة الدستورية ٠٩/٢٠٢٤
و على اساس ذلك اشير بكل اعتزاز و فخر الى اننى اعتبر كل الملفات المعروضة هى شواهد على الطعن فيها على ما قدمته انا و معاوني لهذا الشعب العزيز و ان هذه المحكمة هي محاكمة انجازاتنا من طرف خصومنا السياسيين بدليل عدم تقديم دليل على فعل مجرم فى حق الدولة او الشعب و أطلب على هذا الاساس الاخير الحكم ببراءتي من هذه للتهم الكيدية انتهى الاستشهاد .
ثم ختم بتسليم ملفين للمحكمة طعنا فى بعض محاميه .
و قد كنت حضرت محاكمة فاطمتا امباي و ببكر ولد مسعود و ابراهيم ولد ابتي فى عهد طيب الذكر معاوية الخير و قد استغربت حينها عجز النيابة العامة ان يأخذ عليها المحامون انها ليست من فتحت الملف و إنما تلقته مقلوبا من أمن الدولة و كان بوسعها ان تقدم أمرا بتاريخ مسبق لتبرير قبول الملف شكليا و تساءلت حينها عن سر العبث بملفات مهمة كهذه ان لم يكن شيئا من داخل علبة الحكم !!
أما الان فانني اتساءل بحيرة كبيرة كيف تتمادي الجهات الراعية للملف فى مسار التبرئة الحتمية للرئيس المتهم فى الحين الذى تتمادى فى سجنه ؟ أم أن السجن وسيلة لمخطط خفي لحسم حياة الرجل ؟.
لقد عري النائب محمد بويا الملف بجميع مكوناته ايتداءا بشموله لأزيد من ثلاث مائة متهم لم يتابع منهم سوى أحد عشر فردا لم يسجن منهم سوي الرئيس المتهم .
كما بين حجم القضايا التى طالها الملف ابتداء قبل ان يتم استبعاد أغلبها .
كما بين شراء الحكومة لذمم خمس من اعضائها بتعيينات سامية قبل ا ن يبين استيلاءها عليها بالتعاون مع تواصلها .
و اخيرا كان محقا في التساؤل عن ما تم استرداده من أصل اربع مائة و خمس و أربعين مليارا هي المبلغ المقدر نهبه .
لم يسكت الرئيس المتهم و محاموه على ما حصل و فندوه بالحجة و البرهان و قد زكت المحكمتان الاوليان ما قدموه من معلومات و قد بين الرئيس بالدليل و البرهان عدم أهلية دفاع الدولة لمهمة الدفاع بالبراهين و الادلة العينية و أبسطها النظر الشزر الذى أسكت رايس المحامين بعد أن ألزمه اتخاذ مجموهة بوديجارد ليكتفي معالى المدعى العام بالسكوت بعد مطالبة الرئيس له بعدم حمله عى مواجهته احتراما لمكانته كقاض محترم و منضبط .
و قد تبين ان القضاء لم يقبل فى أحكامه إدانة المتهم بما لم يجد عليه دليلا .
فهل تصر علبة الفساد على الاستمرار فى ملف لم يعد يخفي على مزبل حقيقته ؟.
و هل وصلت الرئيس تفاصيل المحاكمة بالشكل الذى ينبهه الى ان اعترافات الرئيس المتهم بأن قضايا خطيرة حصلت دون علمه فى الوقت الذي تشكل جزءا من المتهم الموجهة اليه ؛ و أن هذا وحده كاف لدق ناقوس خطر اذا لم يتحرك بسرعة فائقة فسيحله محل سلفه فى نفس المكانة و بتهم اشد و أقوى .
إن من يشرفون على محاكمة عزير هم من يعملون على محاكمة غزواني و ما يؤدونه من حركات هو مجرد تلويح سبقهم له وزير سابق اراداستئذان الرئيس في متابعة نهب سلفه ليكتفي بإشارة من الرئيس : “ذك كامل عالمين بيه” فانطلق هو بدوره يفسد و ينهب .
إن سكوت غزوانى على ما يفعل بعزيز هو توقيع منه بحق خلفه على ان يفعل به نفس الشيء فهو ليس “اكزانه” و لن يكون استثناء .

https://www.facebook.com/share/v/1FyRSd17p3/

https://www.facebook.com/share/1L3y3tUv3b/

محمدالمهدي ولد صاليحي

اظهر المزيد