“فأما اليتيم فلا تقهر”
حين نسمع قوله تعال”ى: “فأما اليتيم فلا تقهر”، يتبادر إلى الذهن أن المقصود هو الطفل الذي فقد والده، وأن الوصية بالرحمة موجهة لهذه الفئة فقط. لكن لو قرأنا النص بعمق، سنجد أنه يضع قاعدة أوسع: إذا كان أضعف إنسان في المجتمع لا يجوز قهره، فكيف ببقية الناس؟ المنطق يقتضي أن القهر مرفوض عن الجميع.
المشكلة أننا اختصرنا الفكرة في قالب ضيق، حتى صارت وكأنها استثناء: “لا تقهر اليتيم… لكن عادي أن تقهر بقية الناس”. فصرنا نرى حملات ضخمة لرعاية الأيتام، بينما ملايين “غير أيتام” يُسحقون تحت عجلة الظلم، والفقر، والفساد، بلا سند ولا رحمة.
اليُتم في الدولة المدنية
في الدولة المدنية الحقيقية، لا يُترك أحد يتيمًا. ليس لأن كل الناس سيعيشون مع آبائهم، بل لأن المجتمع يصبح الأب، والدولة تصبح الأم. مؤسسات القانون، والعدالة، والتعليم، والرعاية الصحية، تعوض أي فقد شخصي، لتذيب معنى “اليُتم” بالمعنى الاجتماعي. فالجميع أبناء المجتمع، والجميع لهم نفس السند: الدولة العادلة.
هنا، اليُتم يتحول من وصمة إلى مجرد تجربة وجدانية فردية، لا تحرم صاحبها من حقوقه. لا فرق بين من فقد أباه، أو من وُلد في عائلة كاملة، فكلاهما ابن للمجتمع الذي يساوي بين أفراده.
اليُتم في ظل نظام فاسد
لكن المأساة تظهر حين تسقط الدولة في الفساد. عندها، حتى وإن كان لك أب، وأم، وألف أخ… تظل يتيمًا. لأن اليُتم الحقيقي ليس فقدان أبٍ أو أم، بل فقدان السند الأكبر: دولة عادلة تحميك.
في مجتمع ظالم، الكل أيتام. العامل الذي يكدح بلا حق، المرأة التي تُسحق بصمت، الشاب الذي يطارد المستقبل فلا يجده… كلهم أيتام أمام قسوة نظام لا يعرف الرحمة.
اليُتم إذًا لم يعد مجرد حالة فردية، بل صار حالة جماعية يعيشها المجتمع كله حين يغيب العدل.
خاتمة
حين أوصى النص بعدم قهر اليتيم، لم يكن يضع حدودًا ضيقة، بل كان يفتح بابًا واسعًا:
لا قهر لإنسان مهما كان، لا يُتم لمن يعيش في ظل عدالة، ولا حياة حقيقية في وطن يترك أبناءه أيتامًا.
—
✍️ زينب