أسر العلماء في بلاد شنقيط(2) / إسلم بن السبتي
نعود اليوم لنواصل الحديث عن موضوع طرقناه في إحدى المقالات السابقة، وكنا في مقدمة الحديث قد أشرنا إلى بعض الأسر العلمية قصد التمثيل وحسب، وبذلك لا نجهل أية أسرة ولا نتجاهل أخرى، كما علق أحد القراء حفظه الله عن أسرة أهل الشيخ سيديا العظيمة القدر، كبيرة المعنى، فالمقصود هو إثارة الموضوع لدى الباحثين، وطلب مشاركتهم فيه.
إننا في هذه المقالة نعرج على أسرة شنقيطية، عريقة في العلم والمعرفة، إنها أسرة آل حامن، فقد عرفت هذه الأسرة في مدينة شنقيط بتخصص بعض أفرادها في علم القضاء، فعالمها الكبير هو سيدي أحمد المشهور بالشيخ بن حامن المتوفى سنة 1318ه، كان من القضاة اللامعين، في المدينة وخارجها، فقد كان أهل مدينة تيشيت يعرضون عليه بعض القضايا للإفتاء فيها وقد وقفت على وثائق في ذلك، كما عرف عنه بعض المطارحات الشعرية، إحداها مع شيخه العلامة سيدي محمد بن حبت.
أما اختصاصه الآخر، فهو علم القراآت الذي ألف فيه كتابه الشهير ملاحن القراء، وهو كتاب له مضمونه الخاص، أدرج فيه علم الصوتيات ومخارج الحروف، وخاصة حرف الجيم وكيفية نطقها، وقدم فيه شواهد على ما قاله وأثبته. وبالإضافة إلى الكتاب وقفت له على قصيدة تسير على نفس النهج يقول في مطلعها:
الحمد لله وصل مــــــــــــــــــعْ سلامْ على النبي وآلهالصحب الكــــــــــــرامْ
ثم تحدث عن المقصود بقوله:
وَهَاكَ مَا للسَّبْعَةِ القُـــــــــــــــــــــــــــــــرَّاءِ فِي الهَمزِ إِجْماعًا لَـــــــــــــــــــــــــــدَى الأَدَاءِ
ويستمر في باقي القصيدة يشرح ذلك شرحا تعليميا رائعا، ليوصله إلى كل قراء ذاك العلم الصعب المراس، والذي لابد منه لمن يريد أن يدرس علم القراآت، وقد سار على نهجه محمد المختار بن محمد يحيى العلوشي الولاتي، حيث قال في مقدمة قصيدته:
الحَمْدُ للهِ الذِي لِي عَـــــــــــــــــــــــــــــلَّمَا عِلمَ كِتابِهِ الذِي قَدْ أُحْكِـــــــــــــــــــــــــــــــمَا
واسترسل في بعض الموضوعات التي ذكرها الشيخ، وتحدث عن همزة بين بين، وقدم أدلته على ما قاله.
ومن قضاة هذه الأسرة القاضي منَّ بن محمد عبد الله بن الشيخ بن حامن المذكور آنفا، فقد أمضى زمنا طويلا يقضى بين المتخاصمين في مدينته شنقيط، وتحتفظ مكتبة أهل حامن بكثير من تلك العقود، وكانت في زمن حكم الفرنسيين للبلاد، فهي بلا شك لها قيمتها الاجتماعية والثقافية والعلمية من حيث تحريرها ومضمونها. وكان منَّ من بين العلماء الكبار يدرس الفقه لطلاب محاظر مدينة شنقيط، وقد تخرج على يديه معظم المثقفين في المدينة. وله مشاعرة مع الدي بن السبتي بشأن الشاي، وكافة، وهي طريفة في موضوعها.
والأسرة أسرة أدب فمنها شعراء كبار مثل الشاعر الكبير أحمدو بن عبد العزيز بن حامن، المعروف بحَدِّ، ذكره العلامة المختار بن حامدن في قصيدته الموجهة إلى بني جلدته من البكريين مع صديقه القاضي والشاعر محمد عبد الله بن فال بن أحمد محمود رحمهم الله جميعا.
وأحمدو بن عبد العزيز، لغوي كبير وشاعر فحل، درس في المدارس النظامية، وعلم أبناء جلدته في محاظر المدينة، ومؤلفاته ناطقة بباعه الواسع في علوم اللغة، وديوانه شاهد على مكانته الشعرية السامقة بين شعراء العربية في مدينة شنقيط، وهو مجموع من طرف ابنه محمد سعيد بن عبد العزيز، وهو حلقة فكرية وتاريخية لما حدث في شنقيط، كما أنه شاهد على ما وصل إليه ذاك الشاعر الفحل من إتقان للغة العرب ومعارفها، ولاشك أنه يعتبر شاهدا على تطور الشعر في مدينة شنقيط في تلك الفترة التي عاش فيها الشاعر.
كما أن للعلامة الشيخ بن حامني مشاركات شعرية مع أنظام فقهية غير التي ذكرنا سابقا، فمن شعره قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وقفت عليها في مكتبة المرحوم ملاي امحمد بن أحمد شريف، حيث يقول فيها:
يا خير من بلغ التسليم منزلـــــــــــــــه وخير من زاره الزوار من بعــــــــــــــــــــــد
إني مبلغكم من السلام ومــــــــــــــــــــــن أسنى التحيات ما ينمو عن العدد
وجئت من بعد أرض لائذا بكــــــــــم مما اقترفت ومما قد جنته يـــــــــــــدي
حاشاكمُ أن يُرد المستجير بكـــــــــــــم ولو أتى بعظيم الوزر واللـــــــــــــــــــــدد
بقدر مجدكمُ لتنقذوا غرقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا قد صار من جرمه على شفا وقد
يا أحسن الناس إكراما لنازلـــــــــــــــــــــــه وكل من أمه قد فاز بالــــــــــــــــــــــــرشد
ولهذه الأسرة مشاركة واسعة في توفير المخطوطات للمطالعين حيث أنها تمتلك مكتبة زاخرة بالمخطوطات، بها نفائس لا تتوفر في سواها مثل مخطوطة: معاهد التنصيص على شواهد التلخيص، لعبد الرحيم العباسي، مخطوطة بالخط الأندلسي، وملونة بالألوان الجميلة، كما أنها تحتفظ بخزان من الوثائق النادرة لحقبة الاستعمار الفرنسي للمدينة، حيث تقف فيها على تواقيع بعض الحكام ممن حكم المدينة في تلك الفترة الممتدة من دخول الفرنسيين للمدينة إلى وقت خروجهم وتسليمهم الإدارة لأهل البلد.
وقد زودوا مكتبتهم بشراء الكتب ونسخها في بعض الأحيان فقد وقفت على نموذج من نسختقييد على ظواهر جوهرة الكمال: لعبيدة بن محمد الصغير بن انبوجا، نسخه لمنَّ بن السبتي، أحمد بن عبد العزيز بن حامن، تم الفراغ منه في العشرين من شعبان عام 1360ه، فقد كان رحمه الله حسن الخط متقنا له.