خطاب غزواني بمنسة عيد الاستقلال
“بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
السلام عليكم ورحمة الله تعلى وبركاته
ستون عاما مضت، على جلاء المستعمر، واستعادة شعبنا حريته، وسيادته على أرضه! وبمناسبة هذه الذكرى العظيمة، ذكرى عيد الاستقلال الوطني، عيد العزة والإباء، يسعدني، مواطني الأعزاء، أن أتوجه إليكم، باحر التهاني وأصدقها.
إن احتفاء الدول والشعوب، بأيامها المجيدة، ولحظاتها التاريخية الفارقة، هو في الأساس، تعبير عن العرفان بالجميل لصانعي تلك الأيام، واستحضار لمعاني تضحياتهم، ترسيخا للإحساس بالمسؤولية اتجاه الوطن، وتعميقا للوعي باستحقاقه التضحية والوفاء.
ولذا، فإنني أرفع تحية إجلال وتقدير، إلى أبطال مقاومتنا المجيدة، لما ضربوه من روائع الأمثلة، في التضحية بالدماء الزكية – ذبا عن حياض الوطن، وانتصارا لحريته وكرامته – وفي النضال الفكري، دفاعا عن هويتنا الثقافية، وصونا لإرثنا الحضاري التليد، الزاخر بالمجد والعطاء. إن لهم في أعناقنا، لدينا لا ينقضي.
كما أتوجه، بنفس تحية الإجلال والتقدير، إلى كافة أفراد قواتنا المسلحة وقوات أمننا: ضباطا، وضباط صف، وجنودا، على تضحياتهم الجسيمة، التي نجني كل يوم ثمارها، أمنا ومنعة واستقرارا.
إن مقاصد الاستقلال لا تتحقق، جميعها، بمجرد جلاء المستعمر، وإعلان قيام الدولة. بل لا بد، لإحرازها، من جهد جماعي، دائم التجدد، يحصن السيادة الوطنية، ويعمل على تحقيق ما يطمح إليه المواطن من حرية، وكرامة عيش، وعدالة وازدهار.
والاستقلال بهذا المعني، عبارة عن مسار بناء تراكمي، لا ينتهي.
ولذا، فإنني أتقدم، هنا، بأبلغ عبارات الشكر والتقدير، إلى الذين وضعوا أسس بناء الدولة الموريتانية الحديثة، وإلى الذين ساهموا، كل بحسب ما أتاحته إكراهات ظرفه، في رفع هذا البناء، وتقوية قواعده.
واليوم، على عواتقنا جميعا، تقع مسؤولية صون المنجز، ومواصلة البناء وتطويره. وذلك بالعمل الدؤوب على تقوية اللحمة الاجتماعية، وإرساء دولة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة الشاملة.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
ترسيخا لدعائم دولة القانون، وتوطيدا للديمقراطية، حرصنا، طوال الفترة الماضية، على تعزيز الفصل بين السلطات، وعلى توطيد استقلالية القضاء، بتطوير البنى التحتية العدلية، وتوفير المساعدة القضائية للمواطنين في كل الولايات، واتخذنا من الانفتاح والتشاور، مع كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، نهجا ثابتا.
كما دعمنا الحريات العامة، من خلال ما يجري عليه العمل، حاليا، من وضع استراتيجية شاملة لإصلاح وترقية قطاع الإعلام، وكذلك من خلال إقرارنا نظام التصريح بدل الترخيص المسبق، بالنسبة للجمعيات والهيئات الأهلية، سعيا إلى خلق حركة جمعوية فاعلة. كما اعتمدنا استراتيجية وطنية للامركزية، تقريبا للخدمة من المواطن، وضمانا لتنمية محلية متوازنة.
وقناعة منا بأن الأهداف التي نسعى إليها، من خلال ما ننفذه من برامج وإصلاحات، منوطة، في إمكان تحققها، بشمول الشفافية مختلف جوانب تسيير الشأن العام، عملنا على ترقيه قواعد الحكامة الرشيدة، بمراجعة مدونة الصفقات العمومية، وتفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش، ترسيخا لمبدإ المساءلة.
أيها المواطنون،
أيتها المواطنات،
إن أقوى العوامل الفاعلة في تحصين الوحدة الوطنية، وتقوية اللحمة الاجتماعية، وترسيخ روح المواطنة، هو تحقيق العدالة الاجتماعية.
ولذا، جعلنا من محاربة الفقر، ومختلف أشكال الهشاشة، والغبن، والتهميش، هدفا مركزيا لكل سياساتنا العمومية. فعملنا على إرساء منظومة حماية اجتماعية شاملة، تحقق اندماج الفئات الهشة والفقيرة في الدورة التنموية، وتؤمن لهم النفاذ إلى الخدمات الأساسية، عملا على تحويل مناطق الفقر والهشاشة إلى مناطق تنمية محلية نشطة.
وهذا ما ترمي إليه جميع المشاريع التي تنفذها مندوبية تآزر وهو كذلك ما تسعي إليه مختلف البرامج الحكومية، بحكم ما تعمل عليه، دعما للفئات الهشة والفقيرة، من توفير الخدمات الأساسية، وتسهيل النفاذ إليها، وخلق فرص العمل، وبما أقر في سياقها، من الدعم المالي والغذائي المباشر، والإعفاءات الضريبية والجمركية، وغير ذلك.
وسيتواصل العمل على مكافحة الفقر والهشاشة، بل وسيتوسع، بفعل ما تتضمنه خطة الانتعاش الاقتصادي، التي أطلقناها مؤخرا، من مشاريع لإنشاء البنى التحتية، وتحسين جودة الخدمات الأساسية، و من إجراءات تهدف إلى دعم القطاعات الإنتاجية، وخلق فرص العمل وتكثيف الاستثمار و تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.
أيها المواطنون
أيتها المواطنات
لقد واجهنا هذه السنة، على غرار سائر دول العالم، جائحة الكوفيد 19، وما نشأ عن انتشارها من أضرار جسيمة، على مختلف الابعاد والمستويات. وقد سارعنا في اتخاذ الإجراءات الاحترازية والتدابير الاستشفائية اللازمة، وكثفنا الجهود لتخفيف الانعكاسات الاقتصادية السلبية للجائحة، على المواطنين، الأكثر فقرا .
كما باشرنا معالجة ما كشفت عنه الجائحة من هشاشة منظومتنا الصحية، بتعزيز قدرات التكفل بالحالات الحرجة، وإنشاء شبكات للحجز الاستشفائي وإصلاح قطاع الصيدلة، وإطلاق مسار التأمين الصحي الشامل، وإيلاء الموارد البشرية عناية خاصة.
وفي ذات الوقت، بذلنا جهودا كبيرة، كي لا تحيل الجائحة السنة الدراسية إلى سنة بيضاء. وحرصنا على الاستمرار، بأعلى وتيرة ممكنة، في تنفيذ إصلاح المنظومة التربوية، والتوسع في إنشاء البني التحتية المدرسية، وتكثيف التكوينات، سعيا إلى قيام المدرسة الجمهورية التي ننشدها جميعا.
وبالموازاة مع ما تقدم، عملنا على دمج الشباب، وتقليص نسبة البطالة في صفوفه، عبر اتفاقية مع أرباب العمل الموريتانيين لتشغيل 6000 شخص، تم حتى الآن تشغيل 2000 منهم، وكذلك، عبر التوسع في الاكتتاب الوظيفي على نحو غير مسبوق، وبالتعاقد مع آلاف العمال المؤقتين، من مقدمي الخدمات في مختلف القطاعات.
وعلاوة على كل هذا، باشرنا معالجة ما أبانت عنه جائحة الكوفيد 19 ، من نقص هيكلي حاد، في منظومتنا الاقتصادية. وذلك استعدادا لما بعد الجائحة، وعملا على خلق انتعاش اقتصادي جديد، من خلال برنامج اقتصادي يبلغ غلافه الإجمالي 240 مليار أوقية قديمة.
ولا يعني استشرافنا للمستقبل، واستعدادنا لما بعد كوفيد19، أن الجائحة صارت وراء ظهورنا. بل لا يزال الفيروس نشطا، فتاكا. ويؤشر تطور انتشار الجائحة في العديد من البلدان، إلى أن موجة جديدة منها، آخذة في الانتشار. ولذا فإنني أطلب منكم جميعا، مواطني الأعزاء، اتخاذ أعلي درجات الحيطة، واحترام الإجراءات الاحترازية والوقائية المقرة من طرف السلطات المختصة. فذاك هو سبيل السلامة الأول، في انتظار وجود لقاح ناجع ضد الفيروس.
أيها المواطنون
أيتها المواطنات،
إنفاذا لما تعهدت به، ودعما لما تم إنجازه في مجال مكافحة الفقر والهشاشة، والتوزيع العادل للدخل القومي، وترقية الموارد البشرية، خاصة في القطاعات الخدمية الأساسية، فقد تقرر، ابتداء من فاتح يناير:
أولا: زيادة المعاش الأساس بنسبة مائة في المائة لجميع المتقاعدين.
ثانيا: مضاعفة معاش أرامل المتقاعدين واستفادتهن من التأمين الصحي.
ثالثا: صرف معاشات التقاعد شهريا.
رابعا: تعميم علاوة الطبشور لتشمل كل مديري المدارس الأساسية والمؤسسات الثانوية، وصرفها على مدى اثني عشر شهرا بدلا من تسعة أشهر فقط.
خامسا: مضاعفة علاوة البعد،
سادسا: زيادة علاوة التأطير بالنسبة لمفتشي التعليم الأساسي والثانوي والفني، بمبلغ 10 آلاف أوقية قديمة.
سابعا: زيادة رواتب عمال الصحة بنسبة ثلاثين في المائة، وتعميم علاوة الخطر عليهم.
ثامنا : زيادة التكفل بحصص التصفية لفائدة مرضي الفشل الكلوي المعوزين بنسبة خمسين في المائة، واستفادتهم من تحويلات نقدية شهرية بمبلغ 15.000 أوقية قديمة،
تاسعا: تأمين الضمان الصحي لذوي الاحتياجات الخاصة،
عاشرا: صرف تحويلات نقدية شهرية بمبلغ 20.000 أوقية قديمة للأطفال متعددي الإعاقات.
مواطني الأعزاء،
إنني لمدرك، تماما، لحجم طموحاتكم وتطلعاتكم المشروعة. ولا يزيدني عميق إحساسي باستعجالكم جني ثمار ما نعمل عليه، من إصلاحات وبرامج تنموية، إلا إصرارا على تحقيق ما التزمت به للشعب الموريتاني.
وأنا علي يقين من أننا، بحول الله وقوته، وبفضل جهودكم وتضحياتكم، سننتصر معا، على الغبن والإقصاء والهشاشة، وسنتمكن من تكريس دولة القانون والحريات ومن بناء تنمية مستدامة شاملة.
عشتم، وعاشت موريتانيا، حرة، آمنة ومزدهرة”.