كي لاتختلط الأوراق / محمد تقي الله الأدهم
أحيانا نجد صعوبة بالغة وتحديات جمة في محاولة وضع حدود فاصلة بين السياسي والثقافي والاجتماعي، ورصف وضبط مواصفات القراءة التحليلية الموضوعية الخالية من هيمنة العاطفة و إكراهات الظرف و المحيط .
أمانة الاشتغال بالحرف تقتضي امتلاك الشجاعة ورفع الصوت فور ملاحظة بوادر الخلط والتزييف ، بهدف الحيلولة دون التلاعب بأفكار البسطاء ومشاعر العامة ..
قد يتزامن فتح أوراق ،تبدو للوهلة الأولى مرتبطة ببعضها البعض ،شكلا ومضمونا ، لكن النظر الثاقب يظهر بجلاء أوجه الاتصال ومواطن الانفصال ..
الورقة الأولى :
شهدت فرنسا مؤخرا إصرارا غير مسبوق على الإساءة للإسلام والمسلمين من خلال إعادة نشر الرسوم المسيئة للرحمة المهداة : محمد عليه أفضل الصلاة والسلام .
شخصيا ، لم يفاجئني الموقف العفوي الرسمي والشعبي وخروج الموريتانيين عن بكرة أبيهم مستنكرين ورافضين ، إنما أزعجني انصراف البعض إلى القشور ، من قبيل السعي المكشوف لإظهار شخص أو مجموعة أو قبيلة أو جهة أوحزب سياسي ، والجدل المحتدم بشأن من مول سرا أو جهرا..
أعتقد أن الحدث يمتلك من البداهةو الوجاهة والقداسة، ما يعلو به من السفح إلى الذروة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – كما جاء في صحيح البخاري – :{لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.}
لامعنى إذن للتراشق بتهمة المتاجرة حينا ، ووصف الحماس بالمزايدة ،أحيانا أخرى ..
الورقة الثانية :
جدل وأخذ ورد ، تحت القبة التشريعية بشأن استخدام اللغة الفرنسية من قبل أحد أعضاءالحكومة في نقاشه مع السادة النواب .
وهنا من الوارد أن نتفق على غياب الصلة موضوعيا بين الورقتين ..
ففي الأولى يتعلق الأمر بالمعتقد والثابت الديني المتمثل في إيماننا ووجوب نصرة نبينا ،عليه الصلاة والسلام.
أما في الثانية ،فنحن أمام موضوع بالغ الأهمية ، لكنه لايرقى بحال من الأحوال،إلى مستوى
” الورقة الأولى” ، وهذا يعني قبوله للنقاش وتبادل الرؤى والآراء ..
وكنت نشرت بعيد تعليق الجلسة البرلمانية تدوينةمختصرة جاء فيها :
(أن يتحدث وزير بلغة تلقى دروسه ومعارفه بها طيلة سنوات تكوينه وتأهيله ،أثناء نقاش يتطلب الإقناع وبسط الحجة، فهذا أمر يمتلك مسوغات عديدة ..
أن يطالب نائب باعتماد اللغة الرسمية واللغات الوطنية دون غيرها في جلسات البرلمان ، فهذا مطلب مشروع وترجمة لرغبة الجميع ..
أما إذا احتدم النقاش وسار في اتجاه التلاسن والتخوين والتعصب و العنف اللفظي ، فلابد من ترشيد المقاربة ورعايتها والنأي بها عن الزوايا الضيقة والقراءات المظلمة.
على رسلكم ..فالسعي إلى الاستقلال الثقافي يقتضي السير بتؤدة وحكمة..
انظروا إلى تجارب الأشقاء من حولكم .. )
ولبسط ماذهبت إليه في التدوينة المذكورة، أقول إنه من غير المقبول وضع لغة الضاد في المتاحف، واستئصال الهوية اللغوية ونشر وترويج دعايات مغرضة بشأن عجز بل موت العربية مقابل حيوية مزعومة وزائفة للغات أخرى..
لايتعلق الأمر بدعوة إلى الجمود والتمركز حول الذات ، ورفع التعريب شعارا أجوف على يافطات الإقصاء والقسرية والترهيب .إنما يرمي المسعى إلى رفض التضييق والإطلاق ، وتجنب السقوط في حفر أعدت خصيصا لإبراز التناقضات الحادة وإذكاء النعرات والتجاذبات ،كلما طرحت المسألة اللغوية على المنابر..
وبالرغم من مساوئ وتبعات التأجيل ، أميل إلى تأكيد قناعتي برفض التسرع وضرورة الجلوس حول نار دافئة هادئة لتجاذب أطراف الحديث ، بشأن حل يضع في الحسبان إكراهات الجبهتين الداخلية والخارجية .
الورقة الثالثة :
فاشل وواهم من يسعى إلى ربط مجموعة أوجهة أو عرق في موريتانيا بالتعصب ضد اللغة العربية ،بالرغم من أن المستعمر خلق نخبة فرانكفونية ، حسبها أداة طيعة وجسرا آمنا لنقل ثقافته المهيمنة وتنفيذ مآربه .
وخلافا لما تشتهيه السفن ، كتب خريجو الجامعات والمعاهد الفرنسية ،،بلغة موليير ، فكرا عربيا إسلاميا صرفا ، منح الآخرالصورة الوضاءة للإسلام ، فدخل الفرنسيون وغيرهم في دين الله أفواجا..
من فضلكم ..
ضعوا حدودا وأرصفة فاصلة بين الورقات الثلاث:
تجنبوا تبادل التهم والتلاسن والتأويل، عندما يتعلق الأمر بالنصرة .
امنحوا اللغة الرسمية واللغات الوطنية مكانتها في الدوائر الرسمية وعلى كافة المنابر .
تحدثوا واكتبوا بالفرنسية والإنجليزية والصينية والروسية……
تذكروا مقولة أحد الكتاب في دولة شقيقة :” أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين إني لست فرنسيا…”