ذكرى الاستقلال (28 من نوفنبر) ما زالت ماثلة في وجدان جيل الاستقلال منذ زمن الطفولة الأجمل..منذ زمن الطفولة الأصعب .. منذ زمن الطفولة الأروع !!
وحدهم من قهروا الظلام بروائح أدخنة مصابيح البترول القابضة ، و تفوقوا بتميز في كل جامعات العالم بمعجزة ، من يحق لهم اليوم أن يبكوا على واقع التعليم في بلدنا .. من يحق لهم اليوم تفنيد كل المبررات المتذرعة بـ”ظروف” يسجلونها اليوم “جريمة ضد مجهول” و ينسون أنها من كامل مسؤوليتهم .. من يحق لهم اتهامنا جميعا بالديوثة و الخيانة :
ـ ما كان لهؤلاء آباء يراجعون لهم اللغة و الرياضيات و العلوم ..
ـ ما كان لهؤلاء أمهات توصلهم كل صباح إلى المدرسة بعد المرور على الباتيسيريا !!
ـ ما كان لهؤلاء كتب مراجعة و لا دفاتر تمارين و لا أقلام رصاص ؛ ما كان غير دموع ريشة تتغذى على بقع المحابر و رجال أهدوا حياتهم لخروج وطنهم من قبضة الظلام ..
في زمن الطفولة الأروع ؛ ما كان الفقر يخجلنا .. ما كان التفاوت يحرمنا .. ما كان التميز يُنال بغير التفوق و الذكاء ..
كل مآسي البشرية تصنعها تبريرات الفشل ..
و صدق من قال : “من فوائد الفشل رِضَى العامه وتعاطفهم معك لأنك في الأخير لن تكون منافساً لهم في الحياه”.
ـ بعد نيف و ستين عاما ، نحتفي اليوم بعيد الاستقلال بلا علم وطني و لا نشيد وطني و لا لغة وطنية و لا قرار وطني ..
ـ بعد نيف و ستين عاما ، نحتفي اليوم، بجبل من مبررات الفشل المقدر يتبادل الاتهامات مع التخلف العنيد ..
ـ بعد نيف و ستين عاما من التمرد و التظاهر و التحزب و الانقلابات الديمقراطية و الانتخابات العسكرية و الأيام التشاورية الممهدة للتغييرات الدستورية ، نحتفي اليوم بزعامة بيرام و مرجعية عزيز و جُحائيات الشدو و تيه النخبة في أنفاق مغارة علي بابا !!
ـ بعد نيف و ستين عاما من التدافع الانتحاري في طوابير”أطر الترارزة” و تشمس كرنفالات قبائل الظل شرقا و تمرد زوابع الشمال و تَحوُّر معابر الجنوب ، نسقط اليوم من جديد في كمين مؤتمر ألاگ المشؤوم ، باندفاع أقوى و وعي أقل ..
من يحتفون اليوم بعيد الاستقلال ، لا يدرون ماذا حدث .. لا يهمهم ماذا حصل .. لا يعنيهم ماذا كان : كل ما يصيبنا من خير (حتى من قبل مجيئه بعقود)، من فخامة الرئيس و كل ما يصيبنا من شر من أنفسنا !!
ـ لو وضع ولد الغزواني اليوم حجر أساس قبر النفاق و صلى على مجسم أطر الترارزة و كرنفالات الشرق ، لقدم لموريتانيا أعظم مشروع لن تنساه له مدى الحياة ..
و يصادف عيد الاستقلال (64) هذه الأيام ، عمر التقاعد (63) في بلدنا أي التخلص من جيل المعارف و التجارب و التضحيات و الوفاء للوطن و صعود أجيال التملق و الارتزاق و الاستهتار و الجهل المركب . و أكبر خدمة يستطيع غزواني اليوم أن يقدمها للبلد هي استثناء المعلمين و الأساتذة و الأطباء و الضباط ، من جريمة الوظيفة العمومية (نقل تجربة دول تمتلك فائضا من الخبرات ، تصر على التقدم إلى الأمام دون النظر إلى خصوصية بلدنا). فهل يعلنها غزواني في خطاب عيد الاستقلال لنعتبر أنه أنجز أهم مشروع في تاريخ البلد؟
عاشت موريتانيا حرة مزدهرة ، بعلمها الجميل و نشيدها الأصيل و يسقط علم عزيز و نشيده و دستور المادة 38 و برنامج الـ 100 يوم و أطر الترارزة و مهرجان المدن القديمة و قصائد توجيه شعراء الإمارة !!