حسب قراءات الكثيرين ، لم تقدم الساحة السياسية بعدُ من يستطيع منافسة الرئيس غزواني ، رغم ظهور أوجه شبابية ناضجة تحاول تكرار حالة قيس سعيد بغير وسائله و بلا جمهوره .!
حالة قيس سعيد كاملة الظروف و الأسباب في كل المنطقة ، لكن اختلاف طبيعة الجيوش فيها و اختلاف طبيعة المعارضات و اختلاف وعي الشعوب ، يحتاج عملية تكييف معقدة ، لا عملية نقل مباشر تُهمل تفاصيل طُرق توظيف كل خصوصية ..
التزوير في موريتانيا عملية معقدة ، أصبحت جزءً من المنظومة الثقافية في سياسة البلد ، لا تخص النظام وحده ؛ فمصادر التمويل المجهولة تزوير و شراء الذمم تزوير و حجز بطاقات الناخبين تزوير و الحشد الجماهيري على خلفية التعصب القبلي و الجهوي تزوير و الاتهام الجزافي للأطراف الأخرى بالتزوير تزوير و تقديم خطاب دعائي لا يملك صاحبه أي وسيلة لتنفيذه حتى لو فاز بنسبة 95 ٪ هو أكبر تزوير (…) . و كلها ممارسات يرتكبها الجميع دون استثناء ..
المرة الوحيدة التي عشنا فيها مواجهة منطقية بين مرشح معارض و مرشح النظام ، كانت بين المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله و أحمد ولد داداه ؛ حصل فيها الأخير على جناح من الجيش و جناح من رجال الأعمال و تعاطف جهوي هام ، صنعته ظروف خاصة ، ساهم انقسام السلطة حينها في تأثير جديته ..
و كما يصعب على أي رئيس أمريكي يعادي اللوبيات اليهودية النجاح في الانتخابات (في أكبر ديمقراطية) ، يصعب النجاح على كل مترشح للانتخابات في موريتانيا يعادي الجيش و الأمن ، لأنها مؤسسات قوية و منظمة ، من الطبيعي أن تكون ذات تأثير مشروع في أي عمل سياسي في البلد ، كما هو الحال في العالم أجمع.
ما زالت نظرة الموريتانيين للجيش و الأمن متخلفة و غائمة و متجنبة على الجيش و على السياسة : صحيح أن ولد الطائع كان عسكريا لكنه ليس الجيش و صحيح أن ولد الغزواني كان عسكريا لكنه ليس الجيش و لا الأمن ؛ ربما كان قربهما من الجيش و وعيهما بأهميته و خطورة الابتعاد منه ، هي الفارق . و هو فارق حاسم لا شك في اختيار من يريد تولي قيادة الدولة . لكن القانون لا يمنع على أي مترشح موالاة الجيش و لا القرب منه و لا الحصول على تأييده ، إذا فهم خصوصية الجهازين و طريقة بناء جسور التواصل معهما ..!
إن مشكلة المترشحين و نقطة ضعفهم القاتلة هي معاداتهم للجيش و الأمن و اتهاماتهم الجاهزة بتخوين أهم مؤسستين في البلد.
لو كان أي من بيرام أو صار إبراهيما أو ولد عبد العزيز أو تيام صامبا ، في أمريكا أو سويسرا أو فرنسا أو بريطانيا ، لما سمح له الجيش و الأمن بالترشح للرئاسيات حتى لو كان الشعب كله خلفه .
على الجميع أن يفهم أن الجيش و الأمن هما الضامن الوحيد (قبل الرئيس و القانون) لاستقرار أي بلد و هي ليست مهمة وهمية أو مسؤولية جدلية : هذه المؤسسات في العالم أجمع هي صاحبة القرار الفصل و هي وحدها من تحتكر القرار القهري بقوة القانون ، في العالم أجمع .
لو كنت اليوم القائد العام للقوات المسلحة أو المدير العام للأمن لما سمحت بترشح أمثال بيرام و لا تحفظت مثقال ذرة على أسباب رفضي : الديمقراطية لا تعني الفوضى ؛ ماذا في بيرام من مميزات القيادة و المسؤولية لتولي تسيير بلدية ريفية ؟
و هي مآخذ في منتهى الجدية ، لا يمكن أن نسكت عنها أكثر.