(اسمحوا لي ، لقد اضطررت اليوم لكتابة هذا المقال (الثاني في يوم واحد) ، لأرد على من يعرفون أنفسهم و يعرفهم الجميع )
التفاهة في هذا البلد ، أخذت أحجاما خطيرة و تجاوزت صفوف العامة إلى الخاصة و سذاجة الدولة العميقة المفهومة ، إلى قمة الذكاء الرسمي “المُحصَّن”.
أصبحتْ التفاهة تُتَرجم في السِيَّر الذاتية ب”الخبرة” و في السياسة ب”الحِنكة” و في المال و الأعمال ب”الشطارة”، أي الاحتراف في مجال النصب و الاحتيال و الغش و التزوير !؟
التفاهة التي ظلت طويلا تعبيرا مَحَلَّ إجماع ، عن عدم تحرج االموهوبين في التبجح الغبي بالجهل و الخفة و السطحية ، أصبحت صناعة متطورة ، يحتاج إتقان فنياتها بجراءة زيدان و خفة بَنَّه ، كل من يريد حجز مقعد في الصفوف الأمامية للنخبة المخملية في البلد.!!
كن موهوبا في المدح بأقبح مما يشبه الذم و ما فوقه أحيانا (حسب علة ممدوحك)، لتستحق صفة اللباقة الثقافية و الكفاءة الاجتماعية :
حين يكون من تمدحه يدرك أنه حقير مثلك و أنك (بموهبتك في التفاهة) ، على تماس بما يحتاجه بالضبط ، يصبح إبرام الاتفاق بينكما عملا سهلا حد التلقائية ..
بمعنى آخر ، حين يكون من تمدحه نفسه ، وصلَ قمة هرم طموحه بالمدح و النفاق ، ألا يكون من البديهي أن تكون محل تقديره الأكيد !؟
لا شيء يكتمل بذاته في هذا البلد مثل التفاهة و لا شيء يُحَيِّرُ مثل ولع المسؤولين الموريتانيين بأصحابها ..
الأغرب و الأدعى للشفقة على المسؤولين ، فوق هذا و ذاك ، هو أن ترى كيف يعامل السخيفُ المسؤولَ الموريتاني كالطفل ، عزفا على نقاط ضعفه ، بعد معرفة معمقة (هي الموهبة الوحيدة للمنافقين) ، لمواطن اهتزاز شخصيته الهجينة.
و كل عمل متقن يحتاج الخبرة و الحرفية :
حين تكون مسؤولا مشهورا بالفساد ، لا يخدمك طبعا ، أن يقول التافه إنك “مُصلِحٌ بشهادة الجميع” لأنه هنا يُحوِّلك إلى أضحوكة و يجعلك تتراقص على جرح يؤلمك : الحَلُّ عند التافه في وصفة مجربة : “أنت كريم .. أنت مُنفق على الفقراء .. أنت محسن إلى الأيتام .. أنت حمامة مسجد .. أنت بَرٌّ بوالديك .. أنت لولاك ما عاش محروم و لا مات ظالم…”
كل مسؤول موريتاني اليوم (إلا من رحم ربك) ، يتحصن بــ”گزانة” و “حَجَّاب” و “تافه” ، هو اغريغوري راسبوتين قاعة استقباله في المكتب و البيت ؛ يُضحك الضيوف و يمدح و يقدح كأنه الوصي على ما تبقى من فضيلة ، لولى ممدوحه التافه مثله ، لما بقيَّ في الوجود ، لا حتى من يفهم أبسط معانيها ..!!؟
متى يفهم “المسؤول” الموريتاني أنه لا يحتاج أي شيء في الوجود ، أكثر من الابتعاد عن هذه الجوقة التافهة التي تذكر الجميع (ليس إلا) ، بحقيقة تفاهته و مَدعاة الشفقة على صغر عقله و اضطراب شخصيته !؟
المنافقون اليوم ، أصبحوا يتحكمون في كل شيء .. في جل العقول المسيِّرة للبلد (مع الأسف) .. في انحراف الفضيلة و تعظيم النذالة .. في تحديد صفات الرجولة و تقويض صفات الأنوثة ..
فماذا بقي يا قوم ، لنبني عليه طوبة أمل أو صخرة مجد؟
ماذا بقيَّ يا قوم حين يصبح التافه موجها اجتماعيا .. حين يصبح المنافق مفتيا دينيا .. حين يصبح المنافق التافه منظرا سياسيا !!؟
ما وصل إليه الفساد و الانحطاط في هذا البلد ، أصبح على مستوى الظواهر ، لا في شذوذه فحسب و إنما في ارتياح مسؤولي دولتنا العظيمة في التعايش معه !!؟
لقد أصبحنا أضحوكة العالم :
– أكثر دولة تنتشر فيها الرشوة !!
– أكثر دولة يعشعش فيها الفساد!!
– سابع دولة في العالم على مستوى تبييض الأموال !؟
– أتعس شعب على وجه الأرض!!
– أفسد إدارة في شبه المنطقة !!
– إحدى أكثر دول العالم المهددة بالزوال!!؟
– أسوأ وجهة للاستثمار بسبب النصب و الاحتيال و غياب العقوبة و القانون ..!؟
أن يحدث هذا في بلد قاده لص محتال أكثر من عشر سنين ، فهو أمر مفهوم ، لكن أن يستمر هذا النهج من قبل من لا ثأر له مع موريتانيا و لا مصلحة له في خرابها ، فهذا ما لم نستطع فهمه !!!!
*سيدي الرئيس* ، ما عاد بوسعنا أن نفهم ، في مصلحة من يتم التغاضي عن هذه الممارسات المشينة التي نُحمِّل مسؤوليتها جميعا لفخامة الرئيس ؛
نحملها جميعا لفخامة الرئيس لأنه وحده من يستطيع أن ينهيها بكلمة ..
لأنه وحده من يستطيع أن ينهيها بأمر ..
لأنه وحده أقل من يحتاجها و أكثر متضرر منها ..
يجب أن تظل هيبة الدولة فوق كل اعتبار (مُصيبة كانت أو مخطئة .. ديمقراطية كانت أو دكتاتورية) و أسوأ ما يمس هيبة الدولة هو تَعَرُّض هذه الكتيبة المتطفلة ، المحددة لمهمتها بنفسها ، المسيئة إلى الجميع :
مسيئة إلى النظام بتحدثها باسمه دون إذنه ..
و مسيئة إلى خلق الله بتعرضها لكل من يشكي حاله أو ينتقد نظام بلده ، بما تكفل له الأعراف و القوانين !!!
*سيدي الرئيس* ، لن تكون موريتانيا دولة طبيعية ما لم يلتزم كل فرد بحدود مسؤولياته و يفهم الجميع أن النظام نظامنا جميعا و الرئيس رئيسنا جميعا و البلد بلدنا جميعا ..
و حق النقد مكفول للجميع و النفاق مكشوف للجميع بتعابيره .. مكشوف بانحطاط أصحابه .. مكشوف بمباشرة و تكلف أساليبه ..
الدولة لا تحتاج إلى منافقين لا يفكرون إلا في حصاد يومهم ، هم أكثر من يسخر من ضحاياهم من المسؤولين أمام أعدائهم في دورة ارتزاقهم المفتوحة ..
كيف تلغي موريتانيا اليوم ، هذه البارتناريا المقدسة ، المتجذرة ، الخارجة على القوانين و الأعراف ، بين المنافقين و المفسدين !؟
كيف ننتصر اليوم على الفساد ، إذا كنا قد عجزنا عن كسر موجة المتغنين بأمجاد بارونات كارتلاته.!؟
اللهم لطفك بموريتانيا و أهلها ..
اللهم عفوك و رحمتك بهذا الشعب المظلوم و البلد المستباح ..
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
و آخر دعواتنا :
ألا لعنة الله على المنافقين و ليحشر الله كل محب مع من أحب ، كما ورد في حديث الصادق الأمين ..