بعدما طالَ النهبُ و الفوضَى و الاستباحة كل شيء في هذ البلد و اعتقد الجميع أنهم في مأمن من العقوبة و الحساب و تراضَى كل مسؤول و مقاول بنصيب كل منهما من “كعكة التراضي” ، مقابل تصميم لوحة مشروع بعشرات و مئات الملايين و المليارات ، يوكل أمر نسيانها إلى الريح ، تعيش الإدارة هذه الأيام (في هذه اللحظات) ، حالة فزع و ارتباك غير مسبوقة : لقد فهم الرئيس الآن ، أن لا حدود لجشع مسؤولي هذا البلد ..
أن لا رادع لإصرارهم على النهب ..
أن لا أخلاق لهم ..
أن لا رحمة في قلوبهم ..
أن لا قاع لأطماعهم ..
أن علاقتهم الروحية الوحيدة بهذا البلد ، تلخصها العبارة التي يرددها كل موريتاني بغيرة أو تلذذ : “خذ خيرها و لا تجعلها وطنا” ..
*سيدي الرئيس* ،
أما و قد أزفت ساعة الحساب ، بعدما أصدرتَ لهم من أوامر و ما قدَّمتَ لهم من نصائح و ما استجديتهم به من رجاء و ما تغاضيت عنهم من فسحة في الزمن ، فلتكن ردة فعلكم اليوم على حجم هذا التسامح الجميل ..
على حجم استهتارهم به و ازدرائهم بجديته ..
على حجم لؤمهم و حقارتهم و أنانيتهم التي أعيذكم من تَذكُّرها يوم خروجكم من الحكم ..
*سيدي الرئيس* ،
أقِلْ كل خائن .. أسجُن ْكل لص .. جرِّد كل محتال .. ألجِم كل مستهتر…
عشرات المشاريع (تمثل جل طاقة البلد التنموية) ، تحولت لوحات إعلانها إلى نُصُب مقابر تنحتها الريح :
– هذا يُمنحُ صفقة بناء مطار و هو لم يركب طائرة قط ..
– هذا تاجر أخشاب يمنح صفقة معدات طبية معقدة ..
– هذا بائع أقراص متجول يمنح صفقات تشييد طرق و جسور عملاقة ..
– هذا ينهض فجأة من تحت ركام التخلف ، ليمنح صفقة شراء طائرات و تشييد موانئ ..
– هذا يمر عليك صباحا يلبس أحذية ابلاستيكية لتراه مساء نفس اليوم في سيارة (TX) ، تربكه أضواء مقصورة قيادتها الألكترونية ..
*سيدي الرئيس* ،
– ما يحدث في هذا البلد لا اسم له ..
– ما يحدث في هذا البلد لا صفة له ..
– ما يحدث في هذا البلد لا قاع له..
– ما يحدث في هذا البلد لا مثيل له في تاريخ البشرية ..
– ما يحدث في هذا البلد يحوِّل التسامح (أعظم فضيلة إنسانية) ، إلى أكبر جريمة أخلاقية ..
– ما يحدث في هذا البلد أكبر من كل عقوبة و أسوأ من كل رذيلة ..
*سيدي الرئيس* ،
– ما الفائدة من خُبرات من يوظفون كل معارفهم في النهب ؟
– ما الفائدة من مواطَنَة من لا يخاف الله و لا يرحم شعبه؟
– ما الفائدة من إقالة من نهب ميزانية قطاعه ، إذا لم يلزم تحت الإكراه ، بردها كاملة غير ناقصة و يسجن على إفساد قطاعه و تعطيل خطة تنميته؟
*سيدي الرئيس *،
لن نفهم تسامحكم ..
لن نتفهَّم نبل أخلاقكم ، إذا لم تكن ردة فعلكم اليوم ، على مستوى ألَمِنا ..
على مستوى بطشهم ..
على مستوى صبركم و أملكم في تغيير سلوكهم ..
*سيدي الرئيس* ،
– لا تترك المفسدين يحوِّلون عظمة التسامح إلى رذيلة ..
– لا تتركهم يحولون قدسية المواطَنَة إلى خيانة ..
– لا تتركهم يحولون خلافة الإنسان في الأرض إلى خرافة لم تكن ..
*سيدي الرئيس* ،
تذكروا الآن ، الآن ، أنكم أمام أمانتكم ..
أمام الله و أمام شعبكم المعسكر في الشمس في انتظار من يرحمه..
تذكروا أمام الله ، عظمة أمانتكم و بشاعة ما يرغمونكم عليه ؛ و اختاروا في لحظة ، نرجو أن تكون صوفية الصفاء ، غائرة الأمانة ، واضحة التجليات ، لا يشارككم القرار فيها غير ضميركم ، بين مصلحة هذا الشعب الذي ابتليتم بتولي مسؤولياته و بين استمرار بطش المسؤولين عن شقائه دون وازع من ضمير و لا مسؤولية ..
*سيدي الرئيس* ،
لا يوجد اليوم أي تجمع خبرات لإطلاع الرئيس على أي مخاطر ؛ لا مراكز دراسات ، لا مؤسسات متخصصة ، لا حتى لجان مصغرة موزعة على ملفات المخاطر .
و إذا وُجد أشباه لها ، على هوامش الإدارة القديمة (المهمشة)، لا يُنبِّهون الرئيس إلا على طلب منه و لا يُسمعونه إلا ما يريد سماعه ..
*سيدي الرئيس* ،
كل الشعب الموريتاني اليوم ، ينتظر ما ستفعلونه بعد اعترافكم الصريح ببطش الإدارة و استهتار المسؤولين و تعطل جل المشاريع التنموية (بين التوقف و التأخير )..
كل الشعب الموريتاني ينتظر اليوم ، أن يكون غضب الرئيس من أداء إدارته ، إعلان نهاية لعهد الفوضى و الاستباحة ..
كل الشعب الموريتاني اليوم يتشبث بآخر أمل في آخر فرصة من هذه المأمورية الصعبة ، بحثا عن ومضة ضوء في نهاية نفق مأساته المريرة و لسان حاله يردد بتضرع “اللهم لا تكلنا إلى من لا يخافك فينا و لا يرحم ضعفنا و قلة حيلتنا “.
فتذكروها جيدا ، *سيدي الرئيس*.