لا حديث للناس هذه الايام غير التعليق على مقالاتي الأخيرة المتحرشة بالمفسدين القابضين بأنياب الغدر على مقاتل البلد..
و حين تتكلم عن المفسدين في هذا البلد المنكوب ، يُحيلون بمهاراتهم العالية و حِيَّلهم المعروفة ، كل ما تقوله إلى الرئيس ، لأن نعتهم بالفساد يعني نعت الرئيس به ، ذلك هو جدار حمايتهم الأول : تراكمات خمسين سنة من الاستباحة المحمية ، تجربة هامة حولت الفساد إلى ثقافة و أصحابه إلى قامات عالية الكعب في صناعة التأثير و محاصرة المصلحين و وأد كل بادرة تغيير..
أفسد من في هذا البلد على الإطلاق ، هم الجهات المعنية بمحاربة الفساد و أجرم من فيه هم ممولو حملات التزوير من أصحاب البنوك و شركات التأمين التي تحولت إلى دكاكين تجزئة في كل حي شعبي و تجار الغش و التزوير و من يحمون ظهورهم.
و تحاول هذه العصابات بكل مكر ، جر الناس إلى اعتبار كل ما قلته عن مافيا الفساد مما تستحقه بكل تأكيد ، كان إساءة إلى شخص الرئيس ولد الغزواني ، لا إلى عصاباتهم التي كنت أحذره منها.
و تلك إحدى مهاراتهم الأقدم المتمثلة في شيطنة كل من يحاول كشف حقيقتهم..
لقد دأبت هذه الذئاب الضارية على حرق كل من يواجهها بل إلى تدمير حياة كل من يحاول الاقتراب من دائرة النظام من دون الدخول من إحدى بوابتها المحروسة بإحكام ، على طريقة كارتلات المخدرات في توزيع الأدوار و المناطق و النفوذ ..
و تعتمد العصابة نظام تشويه بارع المكر :
– إشاعة علاقات خفية بين من يستهدفونه و كل من يخالف الرئيس أو يعاديه..
– فبركة قصص منفرة عن المُستهدَف و توزيعها على عدة أشخاص لتصل الرئيس بشكل منظم ، من أكثر من مصدر ..
– كل من ينتقد النظام أو ينبه إلى هفواته ، هو إنسان حاقد و حاسد ..
و تعمل هذه العصابة كل ما بوسعها كي لا يستمع الرئيس لأي أحد من خارجها و لا يلتقي به لكي لا يؤثر عليه و كأن الرئيس طفل في حضانتهم يتلهون به.
المفسدون يا فخامة الرئيس ، لم يعودوا بحاجة إلى مزيد من المال و لا إلى مزيد من الكراهية ؛ فلماذا يتم تعيينهم اليوم ، إذا لم يكن من أجل إفهامنا أن لا أمل في الإصلاح ؟
و لماذا إفهامنا أن لا أمل في الإصلاح إذا كنت وعدت بأن لا تترك أحدًا على قارعة الطريق ، في حين ما زلنا جميعا على بعد صرخة من قارعتها ، بعد الدخول في حملة المأمورية القادمة!؟
على النخب الموريتانية أن تفهم أن الثورات في العالم تقودها الحركات الطلابية و النقابات العمالية و التنظيمات الشبابية ..
و المعارضة في موريتانيا معارضة سياسية ؛ من يطالبونها بثورة على النظام لا يفهمون ميكانيزمات العمل السياسي و من ينتظرون منها الإطاحة بالحكم ، لا يفهمون ميكانيزمات العمل الثوري..
أي رئيس لا يعمل على التقارب و التفاهم مع معارضته هو رئيس لا يفهم أي شيء في السياسة . و هذا هو ما يربك عمل “الأغلبية” اليوم ، لأن المافيا كانت تضع الرئيس في عزلة (للانفراد به) و تجعله في حالة قلق دائم مما تخطط له المعارضة (بما يصورون له من سيناريوهات شيطانية) و حين أصبح الرئيس يلتقي المعارضة بنفسه و يتفاوض معها في كل كبيرة و صغيرة (ما عدا هذا لم يتغير أي شيء في المشهد السياسي) : المعارضة ما زالت متمسكة بأهدافها و مبادئها و مطالبها و الرئيس ما زال يمثل الطرف الآخر في التمسك بأولويات قد لا تقنعهم و في دفاعه عن الممكن (من مطالبهم التي يعترف بشرعيتها) و تحفظه في أشياء لا يرفضها بالضرورة ، لكنها قد تخفي إكراهات يعتبرها من أسرار الدولة الكبرى .
هذه الحالة التصالحية (في الحدود الدنيا) ، تحولها المافيا السياسية إلى مأساة كارثية منذ أصبح ولد الغزواني يلتقي ولد داداه و ولد مولود بعدد لقاءاته برئيس حزبهم بَيِّن الإنصاف ، من خلال محاولاتهم استثناء المعارضة من حق المشاركة في القرار في بلد دافعت عنه بأغلى ما تملك و دمروه بأقل من وخزة إحساس أو مسؤولية ..
على هذه العصابات التي أفسدت كل شيء في البلد ، أن تفهم أننا لم نعد نقبل وجودها و سترى مهما تظاهرت بتجاهلنا و عدم الاكتراث بما نقوله ، أننا قادرون على إنهاء سطوتها ..
# ما نطالب به اليوم يتلخص في الآتي بكل بساطة :
– أوامر رئاسية صارمة بتوقف النهب
– تحسين واجهة النظام بما يقنع الناس بجدية توجهات الرئيس في الحد من الفساد..
– استبدال البرامج الدعائية ببرامج تنموية جادة ذات جدوائية ..
– تفعيل الإعلام الرسمي و جعله أشد وطأة على عمل الحكومة من أكثر الإعلام “الحر” تطرفا ، مع ما تفرض المسؤولية من تحفظ بذكاء ..
هذه ليست شروط منتصرين يا فخامة الرئيس ، و إنما هي أماني مواطنين يحبون هذا البلد و يتمنون له الأمن و الاستقرار ..
نريد أن نفهم يا فخامة الرئيس ، ماذا يمنع من اتخاذ مثل هذه التدابير؟
و أنبهكم و أذكركم هنا يا فخامة الرئيس ، بأن جل التقارير العالمية أصبحت تركز على الفساد في موريتانيا و على انعكاساته على الحالة الاجتماعية و الأمنية في البلد و المنطقة : موريتانيا اليوم مصنفة ضمن أكثر البلدان فسادا على مستوى الرشوة و تبييض الأموال و فساد القضاء . و إذا كانت فرنسا دأبت على التحكم في دول المنطقة بهذا الأسلوب المدمر ، فقد دخلت على الخط دول أكبر و أقوى، تعتمد على فكرة صناعة أسواق مزدهرة و مستقرة (لا تحتاج لترتيب مناخها أكثر من ساعات) .
لديكم الآن نماذج حية لمن يملؤون كرسي الوزارة (الوزير الأمين العام للحكومة و وزير النفط)، بخبراتهم العالية و توازنهم النفسي و إحساسهم بالمسؤولية . و ليس من بين البقية من يستحق أن يكون رئيس مصلحة في وزارته.
تخلص من هذه الحكومة البالية و اكتف بحدود عشر وزارات :
(كل وزارات التعليم في وزارة واحدة ..
وزارة الثقافة و وزارة الشؤون الاسلامية و وزارة العدل و وزارة الشباب و الرياضة في وزارة واحدة) و هكذا دواليك .
أنفض عن الإدارة غبار هذا الخمول و الجمود الذي أوقعها في كل الممنوعات و أغرقها في وحل تداخل صلاحيات لا مخرج منه..
سيقولون لك هذا وقت الانتخابات ، في إشارة إلى أنهم هم من ستخسر إذا لم تعتمد عليهم ؛ فاسألهم ماذا يملكون غير التزوير؟
بالأمس كانوا يدَّعون أنهم من يحركون كل شيء على الأرض ، من نواذيبو إلى النعمة و حين اقترب الموعد هاهم يفكرون في اللائحة الموحدة و الباء الطائرة و صناديق چيگني !!؟
هؤلاء لا يتبعهم غير ذنوبهم و التزوير سيكون مغامرة لا تحمد عقباها .
أنصحك أن تحتمي بشعبك ؛، ما زال من الوقت ما يكفي لترتيب كل شيء.