وكالة صحفي مَيل مَيل

تراقصوا علي نار الفراشة أيها المفسدون/سيدى علي بلعمش

 

الفساد يبتلع كل شيء في هذه الأرض .. يطال كل شيء في هذا البلد و يتعايش معه الجميع في هذا البلد بأعلى درجات الانسجام المولع بالفساد ..

الفساد يكبر يوما بعد يوم .. “يتحوَّرُ” يوما بعد يوم .. ينتشر يوما بعد يوم .. يطوِّر تقنياته .. يوَّسع منطق احتلاله (و في هذه مُحق)، بأن هذا لم يعد بلدًا .!

التعليم أفسده الفساد .. السوق أفسدها الفساد .. الإدارة أفسدها الفساد .. المفسدون أفسدهم الفساد .. السياسة أفسدها الفساد .. الصالحون، الطالحون ، العالمون ، الزاهدون ، القادرون ، العاجزون، كلهم تلطخوا بالفساد .. كلهم ما بين غارق في الإثم و من أصبعه على الزناد..

يطال الفساد كل شيء في هذا البلد في غفلة من الجميع ، كاحتلال الجاليات الإفريقية لأكثر مناطق نواكشوط و زحفها المتصاعد شمالا “جهة القلب”..

كيف نواجه الفساد و ما تربحه صيدليات الموت وحدها من الأدوية المزورة و المغشوشة و منتهية الصلاحية ، أكبر عشر مرات من ميزانيات وزارة الداخلية و وزارة العدل و وزارة الصحة؟

كيف نواجه فساد صيدليات الموت (إمبراطورية فساد إخوان الشياطين) و هي ميدان استثمار وزراء الفساد و مدراء الفساد و رجال أعمال الفساد و هو مجرد مثال له “إخوان” و “أخوات” في كل مجال ؟
– كيف نواجه العجز الطبي في بلدنا و أسواقنا تعج بالمواد المسرطنة ؛ المغشوشة و المزورة و منتهية الصلاحية (بتواريخ مزورة) ، على مرآى و مسمع من الجميع ؟
– كيف نواجه فساد التعليم و السلطات تعترف بطوفان الشهادات المزورة ، المدعومة بتحكم الوساطة و فساد الإدارة؟

ما يحصل في هذا البلد من فوضى و فساد و لا مبالاة ، لم تعرفه أي بقعة في الأرض ، لا حتى في البلدان التي تعيش حروبا أهلية و لا في بلدان كارتلات المخدرات المسلحة و لا في الجزر المعزولة التي ما زالت شعوبها تعيش حياة بدائية..

لا فائدة اليوم، من أي شيء في هذا البلد ، ما لم تقرر السلطات حربا شعواء لا هوادة فيها على احتلال أرضنا من قبل الفساد و جاليات التسكع الأعمى الأجنبية ..

كل الأنظمة التي تعاقبت على البلد، حكمت بالفساد و تحكمت بحماية المفسدين..

– كل الأنظمة التي تعاقبت على البلد، وصلت الحكم بانتخابات فاسدة و إدارات فاسدة و وسائل فاسدة و تجار فاسدين و أعيان فاسدين و عززت مواقعها و بسطت نفوذها بصناعة الفساد و حماية المفسدين..
من المرحومة “اسمار” إلى الشهيدة “الخطوط الجوية الموريتانية” مرورا بسونمكس و إينير و مشروع الواحات و مشروع السكر و سوملك و مشروع تركيب الطائرات الصغيرة (…) و كرة الفساد تتدحرج بين نخبة مؤسسات الدولة بما يشبه الحرب المنظمة على العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

يكذب أي نظام موريتاني (بلا استثناء) ، لا يعترف أن المفسدين هم من أوصلوه الحكم على مطية الفساد لحماية الفساد و تحكم المفسدين..

كان أملنا اليوم – بعدما شبعوا فسادا في عشرية الفساد – أن يتداركوا ما تبقى من البلد (لحماية ما نهبوا على الأقل ، إذا كانت قلوبهم تخلو من ذرة ألم لما يعيشه هذا الشعب المستباح)، أن يوقفوا هذا النزيف الهائج .. أن يَحُدوا من تدفق أوردته الغائرة .. أن ينتبهوا لحظة إلى ما يعيشه هذا الشعب المحروم من أقل نصيب من ثروات بلده المهدورة ..

كان أملنا – بعد ما نهلوا من معطن الحرام و وقفوا على عتبة الموت – أن يتذكروا مأزق النهاية الحتمية ..

نعرف جيدا أن الفساد ورطة ، تتقدم فيه خطوة ، خطوة حتى تغرق ، لتصبح مشكلتك كيف تنجو من جرائم فسادك ، ليكون الحل (تماما مثل جريمة المخدرات)، أن تواصل المكابرة و النكران و حماية الفساد : لتظل حماية الفساد ملاذك الأوحد.

رغم كل ذلك ، كان لدى الشعب الموريتاني – بذكائه الخارق – الاستعداد للتغافل و التناسي ، لإعطاء فرصة للتراجع ، لم يكن منها بد لمن يبحث عن حل ..

نعم، أقولها عاليا بكل افتخار ، كان الشعب الموريتاني (بجل موالاته و معارضته و أحراره)، خارق الذكاء بالتفافه حول ولد الغزواني ، لإعطائه فرصة لإخراج البلد من مأزق عشرية النهب و الدمار و ما سبقها من عشريات و عشرينات ، لا تأتي دونها إلا في اختلاف أزمنتها و ظروفها و طرق تعاطيها..

لكن الخطوة كانت تحتاج إلى فراسة و شجاعة ، لم تجد فارسها “الملثم” مع الأسف، رغم مواتاة كل ظروفها التي عبر عنها الشعب بالتفافه حول الرئيس غزواني ، متناسيا كل حمولة الماضي المؤلمة..

و اليوم نؤكد للجميع فقط ، مهما حصل من براعة في الالتفاف على الحقائق : أن المخطئ من يعتقد أن هذا الفساد سيمر من دون محاسبة.
و مخطئ أكثر و أكثر بكل تأكيد ، من يعتقد أن ذكاء المفسدين سيوصلهم إلى غير جدار طريقهم المسدود..

اضبطوا حساباتكم أيها المارقون :
– الفساد يتضاعف يوما بعد يوم .. يتفرَّس يوما بعد يوم .. يتغابى بطغيان أبله ، يوما بعد يوم..
– الوعي يتضاعف يوما بعد يوم ..
– وسائل كشف الكذب و الاحتيال تتطور بشكل مذهل ، يوما بعد يوم..
– احتقان الشعب و دعم العالم للاستقرار يتقدم بخطوات واعدة، يوما بعد يوم..
– الزمن و الناس و الوسائل تتطور كل يوم و وحدكم من لا يتطورون ..

أليس باستطاعتكم – إذا كنتم أذكياء حقا – أن تحددوا مصيركم من خلال هذه اللوحة البديعة؟

قد تزعجكم اليوم هذه الكلمات الحاقدة (كما تقولون)، الحاسدة (كما تعتقدون)، الواهية (كما تتمنون). لكن ، حتما ، ستتذكرون يوما أن تسامحنا كان أكبر من إصراركم على الإثم و أنني كنت الناصح لكم الأوحد بكل وفاء و صدق (…) ، حتى لو كنتم لا تستحقون إلا ما يقودكم فسادكم و عدم شعوركم بالذنب ، إلى حفرة جحيمه الحتمية.