فخامة الرئيس
أشعر أن عددا غير قليل ممن حولك يضيقون ذرعا بطريقتك في الحكم، ويتآمرون كل من جهته عليك.. الأعداء يريدونك أن تفشل انتقاما لتغريدك خارج السرب، والأصدقاء يريدونك أن تفشل اغتناما لأطماعهم في تحصيل ما أمكن من الثروة والجاه في ظل مأموريتك..
يختلق لك الأعداء المشاكل -وقد يختلقهم أيضا لك من ليس عدوا غباء وجهلا بالمرحلة- ليثيروا عليك ما أمكن من الشعب، بينما يعمل الأصدقاء على أن يحبسوك في قمقم رئاسي يجعلك لا ترى الأشياء إلا من خلال أعينهم هم، ولا تسمعها إلا من خلال آذانهم هم.. الجميع يضيق ذرعا بفكرتك القائمة على إقامة دولة القانون والعدل والمساواة التي تسع الكل، لأن مثل هذه الدولة تحرمهم من تطويع السلطة لأطماعهم وأطماع من يدور في فلكهم من لوبيات وعشائر وأصدقاء ومتزلفين.. إنهم يعرفون أن أي إصلاح لن يكون إلا على حساب تربحهم من الدولة، ولذلك فهم يلفقون لك واقعا آخر أشبه بالحلم الذي يريدونك أن تظل تعيش فيه إلى نهاية مأموريتك، بل مأموريتيك إن لم تعصف بالبلاد مخاطر التمزق الاجتماعي، والكراهية العرقية، معوضين الحل الحقيقي لذلك القائم على إنشاء ديمقراطية مجتمعية بالحلول الترقيعية القائمة على توزيع فتات هنا وهناك، وتلوين الوظائف وكل ما يمكن تلوينه هنا وهناك بالألوان الوطنية الجسدية، بما في ذلك طوابير الاستقبال، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، لكي يعطوك ويعطوا الرأي العام الانطباع بأن هناك ديناميكية جديدة لحل المشكلات أو في أقل الأحوال لإسكات الأصوات..
أما المعارضة فهي معارضتان: معارضة تاريخية معروفة، قد أضعفتها عشر سنوات من الإقصاء والتهميش والحصار، تعلقت بأمل كبير فيك لمد الأيدي لهم لإنقاذ البلد من الانهيار السياسي والاجتماعي المحدق به، وهو أمل لا يريد له الآخرون الأقوى منهم في المشهد أن يتجسد، ومعارضة غير معروفة قيد التشكل بصورة حثيثة ستجرف إذا قامت كل ما سبقها فارضة بمنطق ضرورة الإفلات من الفوضى دولة المحاصصة في الثروة والسلطة، فالنمط السائد اليوم في البلاد من الغبن والإقصاء وغياب القانون غير قابل للاستمرار.
أما الذين من حولك يخدمونك بتفان وإخلاص لإنجاح مأموريتك فلا يجدون من النفوذ على جميع أروقة السلطة ما يحققون به لك ذلك، وبعضهم لا يملك الرؤية المستنيرة الضرورية لتمييز ما يجب فعله مما يجب تركه في هذا الظرف بالذات.
ولا أحد يستطيع اليوم أن يتدارك هذا الوضع ويغيره غيرك، فانهض، ولا تعول على أحد سواك، واعلم أن من سبقك من الرؤساء كان يواجه في عهده تحديا واحدا هو تحدي الحفاظ على السلطة، وأنت تواجه في عهدك هذا تحديين هنا تحدي الحفاظ على السلطة وتحدي الحفاظ على البلد…
واعلم أنه لا طريق لزعيم لإصلاح بلده إلا بإصلاح بطانته فالفساد لا تمكن محاربته بالمفسدين…
باشر السلطة بكل مقتضياتها بنفسك، وأقِل هذه الحكومة أو أقل منها من لا يستحق فإنها لم تعطي الانطباع بقدرتها على التغلب على الفشل، ولا بقدرتها على جعل برامج تعهداتي وأولوياتي وصندوق كورونا برامج ناجعة بل حولتها إلى مناسبة لهدر الأموال والتنفيذ المرتجل للمشاريع والتوزيع البدائي على فئة محدودة من الفقراء، بينما لم تقم بأي إنجازات ملموسة تقوي من دولة القانون أو تنهض بالاقتصاد أو تحسن من الإدارة على أرض الواقع…
يا فخامة الرئيس
لقد تعلقنا بك وتعلق بك جميع الموريتانيين تقريبا سواء من كان معك أو من كان ضدك، وحظيت بإجماع سياسي نادر من حولك لم يحظ به أي زعيم قبلك، فكن للموريتانيين على مستوى الأمل الكبير الذي عقدوه عليك، فالوقت ما يزال سانحا لذلك… وفقكم الله تعالى وسددكم…
الحسين محنض