لا شيء يعكر صفو معبر الكركرات. حركة السيارات ذهاباً وإياباً طبيعية، ولا شيء يكسر الروتين غير هدير الآليات المغربية التي تقوم ببعض أعمال الحفر هنا وهناك. تحركات القوات المغربية والموريتانية ضمن المنطقة العازلة لا تشي بنذر الحرب، وقد تمكّن مراسل “اندبندنت عربية” الثلاثاء من مشاهدة جانب من الحاجز الرملي المدعم بالصخور، الذي تبنيه الرباط منذ أيام بمحاذاة البوابتين المغربية والموريتانية.
وقد باشرت القوات المغربية طرد مجموعات المهربين التي كانت تتجمع في المنطقة القريبة من المعبر، والمعروفة محلياً باسم “قندهار”.
إغلاق معبر الكركرات من قبل جبهة البوليساريو ومن ثم فتحه بعد ذلك بالقوة من قبل المغرب، عاد بملف الصحراء الغربية إلى الواجهة.
مواقف متباينة
في المقابل، صرّح وزير خارجية جمهورية الصحراء المعلنة من طرف واحد، بأن ما قامت به المغرب خرق لهدنة سبتمبر (أيلول) 1991، وهو لذلك بمثابة إعلان للحرب، أما الخارجية الجزائرية فقد استنكرت فتح المعبر بالقوة واعتبرته خرقاً للهدنة الموقعة بين الطرفين، داعية إلى الوقف الفوري لتلك العمليات التي من شأنها أن “تؤثر في استقرار المنطقة برمتها”، مؤكدة ضرورة ضبط النفس.
وزارة الشؤون الخارجية المغربية أصدرت بدورها بياناً قالت فيه “أمام الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة لميليشيات البوليساريو في المنطقة العازلة للكركرات، قرّر المغرب التحرك في احترام تام للسلطات المخولة له”.
أما الخارجية الموريتانية فعبرت عن ضرورة ضبط النفس، ودعت الطرفان إلى اعتماد الحوار والمفاوضات.
يقول الناشط السياسي والأستاذ الجامعي محمد ولد الرباني إن “المغرب يعتبر وجود أي كيان سياسي بينه وبين موريتانيا خنقاً لمصالحه الاقتصادية، وتهديداً لوجوده الروحي والسياسي في أفريقيا جنوب الصحراء”، مشيراً إلى أن “معبر الكركرات هو الحد الفاصل بين الحياة والموت بالنسبة إلى المغرب، لذلك لم يشأ معالجة الموضوع أمنياً وإنما عالجه من خلال فتحه بالقوة”.
ويردف “هذه الأهمية الاستراتيجية للمعبر هي التي دعت جبهة البوليساريو لإغلاقه، بهدف الضغط على الرباط، ولفت انتباه الرأي العام الدولي لملف الصحراء، قبيل صدور تقرير مجلس الأمن الدولي الخاص بالصحراء الغربية”.
ويقول الباحث في قضايا المغرب العربي محمد ولد عبادي إن “موريتانيا على الرغم من حيادها المعلن، تملي عليها حاجتها الاقتصادية وحجم تبادلها الكبير مع المغرب، الرغبة في عدم إغلاق المعبر، والسعي لأي حل سلمي ينهي هذا الصراع القائم على حدودها الشمالية التي تزخر بالمقدرات الاقتصادية، من سمك وحديد وذهب ونحاس”.
ويوضح الناشط السياسي الموريتاني أحمد ولد عثمان أن “معبر الكركرات منطقة دولية عازلة ومنزوعة السلاح، نشأت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو عام 1991، تمر منها البضائع والأفراد، وليس من حق أي كان أن يغلقها، ومن ثم إن أضرار هذا الإغلاق تمس الشعوب وليس الحكومات”.
الأهمية الإستراتيجية للمعبر
يقع المعبر في واد يعرف لدى سكان المنطقة بوادي الكركرات، ومن هذا الوادي يمر الطريق الرابط بين موريتانيا والصحراء الغربية، ويعتبر نقطة اقتصادية نشطة للغاية، حيث تعبره يومياً مئات الشاحنات والسيارات المحملة بالبضائع الآتية من المغرب إلى موريتانيا، ومنها إلى كل الدول الأفريقية التي تربطها بموريتانيا حدود برية.
كما تتزود موريتانيا عن طريقه، بنسبة تزيد على 90 في المئة من الخضروات والفواكه. ولهذا السبب تعيش حالياً أزمة حادة في المحصول، وصل بسببها سعر كيلو الطماطم الواحد إلى نحو ستة دولارات، بعد أن كان قبل إغلاق المعبر بنصف دولار تقريباً.
إلى أين تتجه الأمور؟
يستبعد مصدر أمني موريتاني، فضل عدم ذكر اسمه، أن تستخدم المغرب القوة، ما دامت الضرورات الأمنية لا تفرض ذلك. ويضيف “لا أعتقد أن الأمور ستؤول إلى اندلاع الحرب مجدداً”.
وتوضح وكالة الأنباء الصحراوية أن الحرب بدأت، وأن جبهة البوليساريو ردت على ما قام به المغرب بقصف بعض قواعد الجيش المغربي المتمركزة حول الجدار الذي يفصل بين أراضي الصحراء الغربية الخاضعة للسيادة المغربية، وما تسميه البوليساريو الأراضي المحرّرة.